زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سمعنا في طهران كلاماً صريحاً يفسر دور الميليشيات

قال إنه قلق على مستقبل العراق وإقليم كردستان... وعدَّ الطلاق بين بغداد وواشنطن صعباً جداً

TT

زيباري لـ«الشرق الأوسط»: سمعنا في طهران كلاماً صريحاً يفسر دور الميليشيات

الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وزيباري مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي خلال زيارة لطهران في 2003 (غيتي)
الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وزيباري مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي خلال زيارة لطهران في 2003 (غيتي)

استبعد هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي السابق، انزلاق العلاقات العراقية - الأميركية نحو الطلاق نظراً إلى ما يمكن أن يرتبه ذلك من تبعات أمنية واقتصادية. وأعرب في الوقت نفسه عن قلقه بسبب التدخلات وسياسات الاستئثار ومشاعر التهميش ومحاولات تقويض إقليم كردستان الذي ولد استناداً إلى الدستور الحالي. ولأن زيباري كان حاضراً لدى ولادة نظام ما بعد صدام حسين وتولى حقيبة الخارجية على مدى 11 عاماً، حاورته «الشرق الأوسط» حول هذه الملفات، وهنا نص الحلقة الأولى:

* هل أنت قلق على مستقبل العراق؟

- نعم، أنا قِلق حقيقةً لأن العراق بعد سقوط نظام صدام حسين - مع الأسف الشديد رغم كل الجهود اللي بذلناها - لم يستقر، ولم يحظ بالأمن والاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي لكي ينهض من جديد بعد سنوات الحروب والمعارك مع الجيران ومع الداخل. أنا قلق حقيقة لأنه مع الأسف لم تتشكل لدينا حكومة جيدة، أي أن الحكم الرشيد لم يتحقق في هذا البلد. في بلد الرشيد.

* هل ما نشهده حالياً هو معركة طرد الجنود الأميركيين من العراق؟

- هي معركة صراع نفوذ بين قوة إقليمية هي الجمهورية الإسلامية تحديداً وأميركا على الأرض العراقية بسبب تداعيات الحرب في غزة واضطراب منطقة الشرق الأوسط. فمسألة الوجود الأميركي أصبحت القضية الشماعة لإنهاء وجودهم، في حين أنه ما زالت هناك حاجة لتواجدهم بسبب الأمن الإقليمي ككل، وليس أمن العراق.

كنت من المفاوضين الأساسيين في اتفاقية سحب القوات الأميركية واتفاقية الإطار الاستراتيجي، فعندي خلفية ودالة على هذا الموضوع. أصبح الموضوع مسيساً، ولو أنه لا تزال هناك حاجه أمنية عراقية لهم وأعدادهم قليلة. لكن أصبحت قضية سياسية.

10 فبراير (شباط) الجاري كان نقطة تحول في تقديري لأن البرلمان العراقي أراد أن يعقد جلسة بنصاب كامل لإقرار أو تمرير قرار بطردهم فوراً. لكن لم تكن هناك الاستجابة المطلوبة، لا من الكتل السنية العربية ولا الكتلة الكردية بأجمعها، ولا حتى من معظم الكتل الشيعية. يعني من أكثر من 230 نائباً، حضر فقط حوالي 75 نائباً، لذلك لم يحصل إجماع أو توافق أو نصاب، وأُجِّل الموضوع.

هذا الموضوع تنفيذي، وليس تشريعياً. يعني الحكومة هي التي تقرر. خروج أو بقاء القوات الأميركية موضوع له علاقة بالتزامات دولية عراقية والتزامات لها علاقة بالاقتصاد الوطني العراقي، لذلك لا يمكن النظر إلى هذا الموضوع بشكل أحادي. كثير من الدول في المنطقة عندها قواعد وتواجد عسكري أجنبي، ليس أميركياً فقط، بل أيضاً بريطاني وفرنسي. لكن هذا حصل بموافقة هذه الحكومات. هذه الحكومات لا تزال حكومات سيادية والعلاقة منظمة. نحن أيضاً في العراق لدينا تنظيم لهذه العلاقة. لكن الموضوع مسيّس بالدرجة الأولى.

صعوبة الطلاق مع أميركا

* هل يستطيع العراق حالياً احتمال الطلاق مع أميركا؟

- من الصعب جداً جداً حقيقة لارتباط العلاقة الأميركية بالعراق وبالمنطقة بقضايا دولية وإقليمية واقتصادية، فلذلك الطلاق والانفكاك من هذه العلاقة صعب. كل البلدان تحتاج إلى دعم. في اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تفاوضنا حولها معهم، منحونا الكثير من الفرص والمجالات لدعم الاقتصاد والأمن والقدرات العراقية، لكن مع شديد الأسف، الحكومات العراقية المتتالية لم تستفد من هذه الفرصة المتاحة.

* كنت وزيراً للخارجية العراقية لمدة 11 سنة. أريد جواباً واضحاً، هل طلبت أميركا إنشاء قواعد عسكرية دائمة لها في العراق؟

- هذا النقاش كان موجوداً في الفترة الانتقالية بين إدارة جورج بوش الابن وإدارة باراك أوباما. ما هو مستقبل هذه القوات؟ كان التفكير أنه أدينا المهمة وأسقطنا النظام وأسسنا لنظام جديد ناشئ. ساعدنا البلد أن يكون لديه عقد اجتماعي هو الدستور، لذلك لندعهم يحلون مشاكلهم بينهم. لكن هناك حاجة بالنسبة لنا للإبقاء على تواجد محدود، فهذا كان أساس التفاوض. بدأنا المفاوضات في 2007 وأكملنا الاتفاقية لخروجهم في 2011 عندما جاءت إدارة أوباما.

أوباما بين قواته في قاعدة «فيكتوري» الأميركية ببغداد عام 2009 (غيتي)

في الوقت نفسه، وقعنا اتفاقية الإطار الاستراتيجي للصداقة والتعاون التنموي والاقتصادي مع الولايات المتحدة. كان هناك نقاش حاد بين القيادات العسكرية التي عملت في العراق، وغالبية قيادات الجيش الأميركي حالياً خدمت في العراق. لذلك كان لديهم خوف أو قلق أن الانسحاب المفاجئ وبهذه الطريقة وعدم إبقاء بعض القوات للمساعدة، سيهدد مصالح أميركا، بالنسبة للإرهاب أو للقوى الأخرى الطامعة في العراق. لكن أوباما قرر سحبهم ولم ينتبه إلى هذه النصيحة، وأنا حكيت معه حوالي 45 دقيقة.

* ماذا دار بينكما؟

- هو كان في حملته الانتخابية والعراق كان قضية أساسية في الانتخابات وقتها. كان جون ماكين هو المرشح الجمهوري. والعراق كان محط اهتمام بارز بالنسبة إلى المعسكرين. اتصل بي (أوباما) بالهاتف، وكان في رحلة انتخابية لإحدى الولايات. رسالتي له كانت أننا نعتقد أن العراق لم يتعاف بالكامل، يعني ليس بلداً اعتيادياً أو طبيعياً. هناك تهديدات إرهابية وتهديدات أمنية. لذلك لا نشجعك أن تتسرع في سحب القوات بشكل كامل. نحتاج إلى هذه المساعدة ومساعدتكم في تدريب وتأهيل قواتنا العسكرية. هو أخذ الموضوع بمعنى أنه: لا، أنا جئت لأخلص أميركا من الحروب الخارجية. في أفغانستان والعراق. نريد أن نركز على الوضع الداخلي. كانت هناك أزمة مالية في السوق العالمية.

أيضاً في تلك الفترة رأى السيد نوري المالكي رئيس الوزراء أن الانسحاب أصبح حقيقة. وبدأ يتبلور لديه التوجه لمزيد من الهيمنة والسيطرة والابتعاد عن روح الدستور والديمقراطية والحريات، تجاه السنة والأكراد والرواتب واستهداف قيادات سنية في وقتها. هذا أدى إلى شعور كبير بالتهميش من المجتمع السني. كانت الحرب الأهلية في سوريا قائمة وبدأ «داعش» ينمو داخل الأراضي السورية، ثم انتقل إلى العراق.

بعدما كانت الحكومة تدعي بأن لديها قوات كافية ومدربة لا تحتاج إلى مساعدة أجنبية، رأينا أن هذا الجيش وهذه الفرق وهذا التسليح الأميركي الممتاز انهار خلال أيام عندما احتل «داعش» الموصل وتوجه إلى كركوك وصلاح الدين، وكان على أبواب سامراء وبغداد مهددة. حقيقة هذا الجيش ذاب في صحاري العراق.

آنذاك وقعت المهمة عليّ أيضاً حين كنت وزيراً للخارجية. كنت وزيراً صاحب قرار، ولست مجرد فاترينة (واجهة) محل. حين استشعرنا أن هناك تهديداً حقيقياً للحكومة وللبلد، وافقنا مع الأميركيين على تبادل مذكرات لطلب المساعدة لأن هذا الخطر داهم وغير متوقع. ولا تزال هناك تحقيقات حول كيف صارت الدعوة آنذاك حين عادوا في 2014 وساعدونا. ساعدوا أربيل عاصمة إقليم كردستان التي كانت مهددةً من «داعش». سامراء كانت مهددة.

الأميركيون بتواجدهم، وبعدها بتشكل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب من العديد من الدول وصلت إلى أكثر من 60 دولة في قرارات أممية ومؤتمرات، أساس وجودهم هو الذي اتفقنا عليه. طبيعي أي إلغاء لهذا التفاهم - حتى أزيدك من الشعر بيتاً - يحتاج موافقة الطرفين ويحتاج إلى فترة زمنية وإشعار للطرف الآخر بمدة لا تقل عن سنة. في أميركا هذه السنة انتخابية، وصعب جداً على أي رئيس أن يتخذ قراراً كهذا والمنطقة مشتعلة ولا نعرف أين تتجه الأمور. في تقديري لا يستطيع العراق الطلاق في هذه العلاقة.

رواية إيران لصناعة الوكلاء

* هل هناك دقة في القول إن الحروب الموازية التي انطلقت بعد «طوفان الأقصى» في البحر الأحمر والعراق وسوريا ولبنان أكدت أن هذا الجزء من العالم العربي صار قراره إيرانياً؟

- إيران مؤثرة جداً في إقليمنا من اليمن إلى غزة إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق. ولا ينكرون هذا. أعلنوا عن محور المقاومة منذ سنين. وأنا كانت لدي نقاشات مع الراحل (قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني) الجنرال قاسم سليماني الذي استهدفته القوات الأميركية في مطار بغداد في 2020، ومع علي لاريجاني الذي كان رئيس البرلمان الإيراني، ومستشار الإمام الخامنئي وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي في 2007-2008.

الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد مستقبلاً زيباري في طهران أبريل 2007 (غيتي)

كنا في زيارات مع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى طهران ونتناقش معهم، فأحد طلباتهم كان أنه «أنتم يا أكراد ويا شيعة تخلصتم من الديكتاتورية، فالمفروض ألا تثقوا بالاستكبار العالمي وبالأميركيين. مفروض أنتم أيضاً تصيرون جزءاً من محور المقاومة».

* كلام من كان هذا؟

- هذا كلام القياديين الثلاثة الذين ذكرت أسماءهم معي شخصياً. فجوابي كان أنه نحن لا نحتاج أن ندخل محور المقاومة وصراعات جديدة وحروباً أخرى. نحن تعبنا من الحروب ومن المغامرات وعندنا فرصة لبناء بلدنا ونريد منكم أن تساعدونا في هذا المجال. أنتم تريدون أن نصبح مقاومة على من حررونا. هذا شيء غير منطقي ولا أتصور أن أحداً سيقبل بهذا الاتجاه.

لكن الفرصة جاءت بعد تمدد «داعش». وصارت دعوة السيد الإمام السيستاني للدفاع عن العراق ضد «داعش» والجهاد الكفائي فرصة لتشكيل قوات «الحشد الشعبي». طبيعي كثير من النوايا ومن تطوعوا كانوا جادين وحقيقيين في هذا الموضوع. لكن (الإيرانيين) تدخلوا وشكلوا ميليشيات تابعة لهم واستفادوا من هذا الغطاء الديني والحكومي. حالياً «الحشد الشعبي» أصبح واقعاً وقوة موازية للجيش، وربما أقوى في تسليحه وفي إمكانياته.

قصة محور المقاومة نحن ناقشناها معهم مطولاً، (وكانوا يقولون لنا) أولاً إن نظام الجمهورية الإسلامية مهدد من الاستكبار العالمي ومن الصهيونية العالمية، لذلك نحتاج إلى أن نحمي نظامنا ونقاتل خصومنا وأعداءنا خارج بلدنا، ونشكل قوات غير نظامية. كان هذا أحد طروحات قاسم سليماني، أنه ربما لا نقدر على دخول حروب تقليدية مع دول كبيرة بالتكنولوجيا وبقدراتها، لكن في الحروب غير التقليدية ممكن أن نهزمهم بالاعتماد على قوات محلية نحن ندربها ونهيئها. وهذا هو ما يحدث في المنطقة.

إيران موجودة وهذه القوى التابعة لها أو القريبة منها فعالة. معظمها منظمات خارج الدولة. وطبيعي أن هناك آراء مختلفة حول كيفية التعامل مع هذا. قسم يقول: يجب أن نترك هذه الميليشيات ونتصدى للرأس، وهذا طرح الإسرائيليين. ونظرية أخرى ترى ضرورة تحجيم هذه المجموعات المحلية التي تؤذينا وتقوم بالاعتداء على حكوماتها الوطنية. فهذا الجدل موجود.

لدي قراءة مفادها أنه كما غيرت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 السياسة الدولية بضرب البرجين في أميركا، أعتقد أن ما أحدثه «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ربما يغير قواعد اللعبة والسياسة في منطقة الشرق الأوسط لأن ما حصل كان مختلفاً كلية عن كل الأحداث والمواجهات السابقة إطلاقاً. لذلك كنت من المتوقعين أنه هذه الحرب ستتوسع وتتمدد، ولن تبقى في غزة أو في الضفة الغربية فقط. وفعلاً هذا ما حصل، من البحر الأحمر وباب المندب إلى غزة إلى جنوب لبنان إلى الجولان إلى القائم إلى شمال شرق سوريا. تقريباً ممكن وضعها في نفس الإطار.

تهديد سليماني للرئيس العراقي

* هل يحمل النظام العراقي بعد صدام حسين بصمات قاسم سليماني؟

- هو كان مؤثراً، حقيقة. كان مؤثراً. أذكر حادثة مع (رئيس الوزراء اللبناني الراحل) المرحوم الشهيد رفيق الحريري. ذكرها لي في أكثر من مناسبة، وكان ينصحني حقيقة أنه «ديروا بالكم» (انتبهوا) النظام السوري عنده أجندة في العراق والنظام الإيراني عنده أجندة في العراق. لكن الأجندتين مختلفتان. ربما تلتقيان في الهدف النهائي لمشاكسة الأميركيين. لكن فعلاً هذه نصيحة ظهرت صحيحة. بعد سنين رأيناها. نفوذ الإيرانيين تمدد وتوسع أكثر بالتأكيد، ودخل مفاصل مالية واقتصادية وأمنية وحكومية وبرلمانية، وعلى مستوى القضاء. عندهم نفوذ لا أحد يستطيع أن ينكره.

حين كنت أتعامل معهم كنت أقول لهم تعاملوا معنا كما نحن كدولة تحترمونها. تعالوا من الباب تعرفون كيف، ونحن مستعدون أن نتعاون معكم. عندنا حدود مشتركة 1400 كيلو متر، وثقافة ودين وتاريخ. كل شيء عندنا. لكن أهم شيء أنه لا بد من أن تحترموا أن هؤلاء، حلفاءكم وأصدقاءكم، يريدون بناء بلد مختلف عن عراق صدام. هذا الموضوع كان النقطة الأولى والأخيرة في اتصالاتنا معهم.

على كلٍ، تغيرت الأمور كلية بعد 2014. لذلك لم يشهد العراق استقراراً سياسياً أو أمنياً أو مجتمعياً. أخطاء داخلية من القيادات العراقية. لا نلوم الأميركيين أو الإيرانيين أو تركيا أو دولاً أخرى. لا بد من تشخيص هذه الأخطاء الداخلية العراقية من القيادات التي كانت لديها فرص للانفلات من هذا الماضي، لكن لم تنجح.

* هل فكر الجيش الأميركي في اغتيال قاسم سليماني أثناء فترة احتلال العراق؟

- هناك أسرار كثيرة هنا حقيقة. لكن هو كان يتردد على بغداد والإقليم ومحافظات أخرى. وهو شخص عملياتي، يعني منظر استراتيجي لكن عملياتي ميداني وجريء. في الفترة الأخيرة، زياراته كُشفت وصار عنده مكاتب ومستشارون ودوام تقريباً في المنطقة الخضراء. يعني أصبحت شبه علنية. أتصور نُبه أنه أنت لست بعيداً عن الاستهداف. وصار ما صار. هذا الموضوع (قتل سليماني) كان نتاج متابعة دقيقة وليس يوم حدوثه. أتصور كانت هناك متابعة دقيقة لكل نشاطاته وتحركاته. وصلته رسائل أن وضعك غير آمن.

* هل كان أسلوب قاسم سليماني يحمل رسائل تهديد؟

- هو كان دبلوماسياً حقيقةً في طبيعته، لكن بالنسبة إلى الأهداف التي يريد تحقيقها لا يتنازل. استخدم التهديد مع الرئيس السابق مام جلال (جلال طالباني).

الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني وزيباري مع وزير الخارجية الإيراني الأسبق كمال خرازي خلال زيارة لطهران في 2003 (غيتي)

* متى؟

- استخدم التهديد في رسالة مكتوبة عندما كانت هناك جهود ومحاولات من الأكراد والسنة وبعض قيادات الشيعة لسحب الثقة من رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بعد التمادي ومحاولة التسلط والهيمنة والابتعاد عن المشتركات التي اتفقنا عليها. آنذاك كان تدخله (سليماني) حاسماً جداً في منع حصول ذلك.

مستقبل إقليم كردستان العراق

* هل أنت قلق على إقليم كردستان العراق؟

- نعم. قلق وقلق جداً على مستقبل إقليم كردستان الذي بُني بأنهار من الدماء والتضحيات والمقاومة وبالسياسة الواقعية والدبلوماسية. التهديد الأكبر على الإقليم حالياً هو من القرارات التعسفية للمحكمة الاتحادية العراقية مع الأسف الشديد. أساس الإقليم والاعتراف به ككيان دستوري هو الدستور الذي حدد الاختصاصات الحصرية للحكومة الفيدرالية وللإقليم.

هناك هجمة حقيقةً من كل النواحي. أمنياً، نرى من يهدد الإقليم بالمسيرات والصواريخ، ومصالح الإقليم الاقتصادية والمصافي وحركة الطيران التجاري والشركات الأجنبية لتقويض اقتصاد الإقليم. أيضاً مسألة تصدير النفط المتوقف، من إيقاف تصدير نفط الإقليم خسر العراق 7 مليارات دولار، كان يفترض أن تذهب إلى خزينة الدولة، وجزء منها حصة الإقليم.

أيضاً يتدخلون على كل المستويات، من مسألة الانتخابات وحقوق الإقليم الدستورية وحصة الإقليم من الموازنة العامة للبلد. السبب أن الإقليم ربما لديه استقلالية في اتخاذ القرار وفي المشاركة في بعض القرارات، لكن عنده استقلالية يعني إذا لم يعجبنا شيء نقول لا وعندنا الشجاعة. ربما هذا التوجه لا يرضي الآخرين الذين اعتادوا «نعم سيدي» في كل شيء يؤمرون به.

أيضاً، طبيعي أن الإقليم عنده مشاكل، ولا أخفي عليك حتى أكون واقعياً وصريحاً. دائماً الإقليم كان قوياً حين كانت القوى الكردية موحدة أو تتبنى خطاباً واحداً أو موقفاً واحداً. حالياً عندنا في القضايا الاستراتيجية وحدة عمل وتفكير، لكن هناك قضايا داخلية غير محلولة.

الهدف الأساسي للإقليم الذي نسعى من أجله هو إعادة شرعنة مؤسسات الإقليم بإجراء انتخابات برلمانية إقليمية جديدة. كان المفروض في فبراير (شباط)، وحالياً أجلت إلى مايو (أيار). لا نعرف إلى متى ستبقى هذه الانتخابات أسيرة لقرارات المحكمة الاتحادية لتعطيل هذه الشرعية. نحن نعمل في سبيل إجراء هذه الانتخابات في أسرع وقت ممكن.

* من يعاقب الإقليم؟ هل هي القوى التي سلمت ذات يوم بوجود الإقليم لإزاحة صدام ثم تراجعت حين صارت في السلطة؟

- أساساً هي هذه القوى. وربما بإيحاءات خارجية إقليمية. واضح جداً لأن هذه هي القيادات نفسها التي كنا نحميها ونحتضنها في زمن المعارضة. حقيقة بعدما صاروا في السلطة يشعرون بأنهم ليسوا بحاجة إلى مشاركة الآخرين الذين ساعدوهم. هذه النظرة موجودة ولن تؤدي إلى استقرار العراق. نظرة أن البلد صار لنا والحكومة لنا ولا نحتاج الآخرين أثبتت فشلها، في تجربة صدام حسين ومن قبله. العراق لا ينجح إلا بتوافق وطني واحترام مكوناته. وأن يشعر كل طرف بأنه جزء من هذه الحالة.

* تقول إن المحكمة الاتحادية سلاح. بيد من؟

- المجموعة نفسها التي فكرت أنها لا تحتاج الآخرين، وممكن نسيس أو نستخدم هذه المحكمة كسلاح ضد خصومنا وأعدائنا. هناك كلام طويل وعريض عن دستورية هذه المحكمة أساساً. تسأل أكبر خبراء في القانون الدستوري فيقولون إن هذه المحكمة شكلت لأغراض ونوايا معينة. حالياً الهيمنة من قبل الأطراف المسلحة وبعض الفصائل التي بيدها القوة والسلاح، وعندها من جانب آخر القضاء والمحكمة الاتحادية. يتحكمون في كثير من الأمور والمسائل. أرجع إلى سؤالك الأول: نعم، نحن قلقون على مستقبل الإقليم ومستقبل العراق أيضاً.

* هل يكون الكلام دقيقاً إذا قلنا إن العراق يتجه مجدداً إلى أزمة مكونات؟ المحكمة الاتحادية أزاحت رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وأخرجتك من السباقات الانتخابية؟ هل هناك مشكلة في علاقات الفصائل الشيعية بالمكونين السني والكردي؟

- هناك مشاكل حقيقةً. لا أخفيك. وهناك حوارات أيضاً جادة وحقيقية. من الذي وراء قصف أربيل أو مطار أربيل أو مصالحنا في السليمانية وبعض منشآتنا الحيوية؟

* قالوا إنهم قصفوا «الموساد»...

- هذا كذب وافتراء. حتى المسؤولون العراقيون الذين زاروا الموقع حين وقع هذا الهجوم الصاروخي الباليستي على رجل أعمال مع عائلته مع أطفاله وقتلت طفلة عمرها أقل من سنة (رأوا) أن هذا كذب فظيع. «الموساد» موجود في كثير من الدول ويعمل بسرية وبطرقه الخاصة ولا يحتاج إلى يافطات وعناوين يقعد ويخطط. «الموساد» موجود ويضرب فيهم في قلب طهران، وموجود في كثير من العواصم الأخرى.

هذه هي المرة الثانية التي يكررون فيها هذا الافتراء الفاضح جداً الذي ليس له أي أساس. طلبنا منهم وقلنا لهم أنتم لديكم في أربيل قنصلية كبيرة ونتواصل معكم وبيننا زيارات مشتركة ونحن طرف في لجنة أمنية مع الحكومة العراقية معكم، وهذا الاتفاق الأمني يؤكد أنه إذا شعر طرف بوجود تهديد فيجب أن يبلغ الطرف الآخر. كل هذا لم يفعلوه.

هذه كانت رسالة. قصف أربيل كان رسالة لإظهار قوتهم في إصابة الأهداف عن بعد. في يوم ضربوا ثلاث دول: باكستان، والعراق في أربيل، وسوريا في إدلب، حتى يرسلوا هذه الرسالة إلى أميركا وإسرائيل أن «عندنا قوة ردع إذا تجرأتم علينا».

* الصواريخ التي أصابت أربيل انطلقت من الأراضي الإيرانية؟

- نعم. واعترفوا بها. اعترف بها «الحرس الثوري» الإيراني وأصدر بياناً رسمياً أعلن المسؤولية عنها.

مبنى متضرر جراء الهجوم الصاروخي الإيراني على أربيل الشهر الماضي (أ.ف.ب)

* كيف سيعيش الإقليم وكل جيرانه يخافون منه أو يقلقهم على الأقل؟ يعني تركيا لا تريده وسوريا لا تريده وإيران لا تريده، وإذا بغداد رفضته؟

- في 1991 واجهنا هذا التحدي كقيادات شاركت في هذا الإقليم ومتابعته. كان تحدياً كبيراً حين أرادت قيادة «الجبهة الكردستانية» في 1992 إجراء انتخابات داخل العراق في الإقليم، اجتمعت دول الجوار سوريا وتركيا وإيران لمحاصرة وخنق هذا الإقليم. حتى أميركا أقرب حلفائنا وأصدقائنا لم تكن مؤيدة لفكرة الانتخابات. لكن للمرة الأولى اتخذت القيادة الكردية قراراً سليماً وشجاعاً بالسير باتجاه الانتخابات واتفقنا على نتائج الانتخابات وقمنا بتأسيس مؤسسات الإقليم.

آنذاك، نقلنا نفس الفكرة للإيرانيين والأتراك والسوريين: نحن لسنا تهديداً. نحن يمكن أن نكون عامل مساعدة واستقرار، ولن نفعل شيئاً ضد مصالحكم الأمنية القومية العليا على الإطلاق. وأثبتت التجربة طوال سنوات عمل مؤسسات الإقليم أننا عملنا على تهدئة مخاوف دول الجوار الأمنية. الإقليم دستوري منذ 2005 حين صار تصويت شعب العراق كله، وأصبح لهذا الإقليم أساس قانوني ودستوري معترف به في العراق.

* هل وجدتم صعوبة مثلاً في إقناع الرئيس بشار الأسد بالإقليم؟

- حاولت. أنا تحاورت مع سيادة الرئيس أكثر من مرة حول هذا الموضوع. لكنهم (السوريون) لم يكونوا مقتنعين إطلاقاً بهذا الشيء. فكرة الدولة الاتحادية أو الفيدرالية يرونها مرحلة أولى لتقسيم الأوطان، ولم يخفوا ذلك إطلاقاً. لذلك في اللقاءات أو النقاشات لم يكونوا مؤيدين لها.

* هل لديك شعور بأن هذه الخرائط تنتهي دائماً بمعاقبه أكرادها؟

- نرجع إلى القصف الصاروخي الإيراني الأخير على أربيل. قلت لك الرسالة. لكن الجمهورية الإسلامية ربما لا تستطيع أن تواجه دولاً كبرى مثل أميركا، وحتى إسرائيل تتجنبها وتحاربها بوسائل أخرى وطرق أخرى. لكن في سبيل إظهار قوتها عند شعبها وتنفيذ وعودها بأنها ستنتقم مما حصل من هجوم إرهابي في كرمان واستهداف قيادات من «الحرس الثوري» في دمشق، وقيادات في «حزب الله» و«حماس» في بيروت وجنوب لبنان، جاء الانتقام عندنا، لأن عندهم تصوراً خاطئاً من خلال نظرية المؤامرة الكونية أن الإقليم هو إسرائيل الثانية. وانطلاقاً من ذلك يعاقبوننا.

«لا يستهين أحد بأميركا»

* إذا تصاعدت هذه العمليات، هل تعتقد أن أميركا مستعده للدفاع عن الإقليم؟

- الأميركيون عندهم تواجد في الإقليم كما في بغداد وفي الأنبار. إذا تلاحظ، الفصائل المسلحة دائماً تستهدف أربيل وحرير وقاعدة عين الأسد في الأنبار. لماذا لا يأتي أحد على ذكر قاعدة «فيكتوري» في مطار بغداد، وهي أكبر قاعدة؟ يظهر أن لديهم مصالح في الحركة والطيران وقضايا تهريب الأموال. لا يريدون مشاكل.

الأميركيون دائماً يؤكدون أنهم موجودون بموافقة من الحكومة العراقية. وهذا صحيح وشرحت لك الخلفية. بالنسبة لهم: إذا أصيب أي من مصالحنا أو استهدفت قنصليتنا الأكبر ربما في العالم أو منشآتنا الموجودة في مطار أربيل، فآنذاك نحن سنرد بقوة. وبعد مقتل ثلاثة جنود في قاعدة «تاور 22» في شمال شرق الأردن وهي امتداد لقاعدة التنف، كان الرد الأميركي دقيقاً جداً واستهدفوا القيادات المسؤولة عن هذا العمل.

هذا الردع خفف من الهجمات. إذا لاحظت، منذ فترة خفت الهجمات، سواء في شمال شرق سوريا أو على عين الأسد أو أربيل، لأنهم رأوا الحديد حاراً. أميركا عندها قدرات وإمكانيات هائلة، لكن لا يستخف أحد بالإدارات وبالقيادات الأميركية. يعني نفس هذه القيادات الأميركية التي كان معظم الناس يائسين منها، هم أنفسهم من تدخلوا ومنعوا «داعش» من اكتساح أربيل أو بغداد، من نائب الرئيس (آنذاك) جو بايدن إلى القيادات الأخرى الموجودة، من لويد أوستن وجيك سوليفان. نفس الأشخاص. لا أحد يستهين بهم. هذه دولة مؤسسات ومصالح واستراتيجيات.


مقالات ذات صلة

قائد «الحرس الثوري» يهدد بإغلاق شرق البحر الأبيض المتوسط

شؤون إقليمية قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي متحدثاً في طهران اليوم خلال مراسم الأربعين لضباط قُتلوا في قصف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق (تسنيم)

قائد «الحرس الثوري» يهدد بإغلاق شرق البحر الأبيض المتوسط

لوّح قائد «الحرس الثوري» بتوسيع الجبهات وإغلاق شرق البحر الأبيض المتوسط، وذلك في مراسم الأربعين لضباط من «الحرس الثوري» قضوا في غارة استهدفت القنصلية الإيرانية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي متداولة على «إكس» لدخول 3 حافلات آتية من معبر القائم في العراق تقل زواراً شيعة إلى البوكمال شرق سوريا ترافقها سيارات تتبع الحشد الشعبي العراقي

الميليشيات الإيرانية تستقدم منتسبين جدداً لـ«عدم ثقتها بالسوريين»

تستقدم الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا دفعات متتالية من المنتسبين الباكستانيين والأفغان عبر العراق لعدم ثقتها بالسوريين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية طائرة «شاهد» المسيّرة في معرض لأسلحة «الحرس الثوري» بمدينة قم (فارس)

«الحرس الثوري» يتوسع في قاعدة مسيّرات مجاورة لمنشأة «فوردو» النووية

كشفت صحيفة «تلغراف» البريطانية أن إيران تدرب عناصر من «حزب الله» في قاعدة سرية بمدينة قم الإيرانية على تنفيذ هجمات بواسطة الطائرات المُسيَّرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية سيسيل كوهلر البالغة من العمر 35 عاماً خلال حفل عيد ميلادها في 2019 (أ.ف.ب)

«الحياة متوقفة» لأقارب فرنسية محتجزة في إيران

توقفت الحياة بالنسبة إلى نعومي بعد مضي «سنتين قاسيتين» على احتجاز شقيقتها المدرِّسة والنقابية الفرنسية سيسيل كوهلر.

«الشرق الأوسط» (ستراسبورغ)
شؤون إقليمية قوات حرس الحدود الإيراني خلال دورية في الشريط الحدودي مع باكستان بمحافظة بلوشستان (فارس)

إيران: اعتقال أشخاص على صلة بهجمات «جيش العدل»

«الحرس الثوري» الإيراني قال إنه اعتقل أشخاصاً على صلة بهجمات سابقة لجماعة «جيش العدل» المعارضة للنظام.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مع اشتداد القتال... «رعب مستمر» في الفاشر أبرز مدن دارفور

سودانيون في إقليم دارفور (أرشيفية - رويترز)
سودانيون في إقليم دارفور (أرشيفية - رويترز)
TT

مع اشتداد القتال... «رعب مستمر» في الفاشر أبرز مدن دارفور

سودانيون في إقليم دارفور (أرشيفية - رويترز)
سودانيون في إقليم دارفور (أرشيفية - رويترز)

يلازم التاجر السوداني إسحق محمد منزله منذ شهر نتيجة تصاعد العنف بمدينة الفاشر في غرب السودان، الوحيدة بين كبرى مدن دارفور التي لم تخضع لسيطرة «قوات الدعم السريع» في حربها ضد الجيش منذ أكثر من عام.

وقال محمد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» عبر الهاتف من الفاشر: «لم أفتح المحل منذ أكثر من شهر والتزمت المنزل خوفاً من الدانات التي تسقط (علينا)».

وتابع: «إننا نعيش في رعب مستمر»، في إشارة إلى ما تشهده عاصمة ولاية شمال دارفور من اشتباكات عنيفة على الرغم من تحذيرات الأمم المتحدة من عواقب ذلك في المدينة البالغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة.

وخلال عام واحد، أدّت الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو، إلى سقوط آلاف القتلى بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.

كذلك، دفعت الحرب البلاد البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة إلى حافة المجاعة، ودمرت البنى التحتية المتهالكة أصلاً، وتسبّبت بتشريد أكثر من 8.5 مليون شخص بحسب الأمم المتحدة.

وتسيطر قوات دقلو المعروف بـ«حميدتي» حالياً على أربع من عواصم الولايات الخمس المشكِّلة للإقليم الغربي للبلاد، ما عدا الفاشر التي لجأ إليها نحو 800 ألف نازح، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وقال أحد سكان الفاشر أحمد آدم للوكالة عبر رسالة نصية: «نحن تحت حصار كامل»، في وقت يعاني فيه إقليم دارفور الشاسع في غرب البلاد من انقطاع شبه تام لخدمات الاتصالات والإنترنت.

وتابع: «لا يوجد طريق للدخول أو الخروج من المدينة دون سيطرة قوات الدعم السريع».

وتضم الفاشر مجموعتين رئيسيتين من حركات التمرد المسلحة وقد تعهدتا في بداية الحرب بالوقوف على مسافة واحدة من طرفي النزاع، ما جنّبها حتى الأمس القريب الانزلاق إلى القتال.

وتصاعد العنف في المدينة بعد إعلان الحركات المسلحة، التي كانت قد وقعت على اتفاق سلام تاريخي مع الحكومة السودانية في 2021 بجوبا، في بيان، أنه «لا حياد بعد الآن»، مؤكدة أنها «ستقاتل مع حلفائها الوطنيين وقواتها المسلحة ضد ميليشيات الدعم السريع وأعوانها من المأجورين».

ودفع تصاعد القتال في شمال دارفور مجلس الأمن الدولي إلى الإعراب عن «قلقه العميق» إزاء ما يجري بالفاشر.

وكتب نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في دارفور توبي هارورد، عبر حسابه على منصة «إكس»، أن «الوضع الإنساني في الفاشر والمحليات المحيطة بعاصمة شمال دارفور كارثي».

وأشار إلى «ازدياد عمليات القتل التعسفي والسرقة ونهب الماشية، والحرق الممنهج لقرى بأكملها في المناطق الريفية، وتصاعد القصف الجوي على أجزاء من المدينة، وتشديد الحصار حول الفاشر».

واتّهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، اليوم، «قوات الدعم السريع» في السودان بارتكاب «تطهير عرقي» وعمليات قتل «ما قد يشير إلى أن إبادة جماعية حدثت أو تحدث» ضدّ جماعة المساليت العرقية الأفريقية في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، الأسبوع الماضي، إن «كارثة مأساوية تلوح في الأفق» في إشارة إلى ما يجري في مدينة الفاشر.

ملازمة المنزل ونفاذ الطعام

لم يقتصر العنف فقط على حدود الفاشر، إذ تعرض مخيم «أبو شوك» للنازحين والمتاخم للمدينة للهجوم أيضاً، بحسب شهود عيان، وشهد اشتباكات بين «قوات الدعم السريع» والجيش.

وقال أحد المقيمين بالمخيم عيسى عبد الرحمن للوكالة: «الاشتباكات تجري داخل المخيم ومن لم يتمكن من المغادرة حتى الآن يلازم المنزل».

وتابع عبد الرحمن: «البعض استنفدوا ما لديهم من غذاء ولا يستطيع أحد الوصول إليهم».

وأدى حصار حاضرة ولاية شمال دارفور إلى عرقلة العمل الإنساني في الإقليم بأكمله، حيث تتركز المساعدات وتوزع إلى بقية الولايات من الفاشر.

وقال مسؤول طبي بالمستشفى الجنوبي بالفاشر وهو المرفق الطبي الوحيد العامل بالمدينة إن «الطواقم الطبية أنهكت تماماً بسبب عملها لفترات طويلة من دون راحة والبعض لم يغادر المستشفى منذ أكثر من شهر».

وأوضح أن غالبية الحالات التي ترد «هي إصابات ناجمة عن الرصاص الحي أو إثر سقوط قذائف، كما نستقبل حالات سوء التغذية من الأطفال».

وفي السياق نفسه، حذرت منظمة «يونيسيف» التابعة للأمم المتحدة من أن الهجوم على الفاشر سيعرض مئات الآلاف من الأطفال للخطر.

وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة كاثرين راسل، في بيان الأسبوع الماضي، إن «تصاعد القتال في ولاية شمال دارفور بالسودان أدى إلى خسائر بشرية مميتة بين الأطفال في الأسابيع الأخيرة».

وأضافت أن «التهديد الوشيك بشن هجوم عسكري على الفاشر (..) يهدد بتصعيد كارثي، ما يعرض حياة ورفاهية 750 ألف طفل وربما ملايين آخرين للخطر».

كذلك أفادت بأن «تطويق الفاشر من قبل الجماعات المسلحة والقيود المفروضة على الحركة على الطرق الرئيسية خارج المدينة تمنع العائلات من المغادرة»، مشيرة إلى «تقارير تفيد بأن أكثر من 330 ألف شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد» في عاصمة شمال دارفور.

«موقف تفاوضي أقوى»

في 16 أبريل (نيسان)، أفادت وزارة الخارجية الأميركية بأن السعودية ستستضيف «خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة» مفاوضات جديدة لوضع حد للحرب في السودان.

وسبق أن رعت الولايات المتحدة والسعودية جولات تفاوض عدة في مدينة جدة من دون أي نتيجة. كذلك فشلت وساطات الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد).

ويرى المحلل السياسي السوداني أمجد فريد أن العودة إلى طاولة المفاوضات دفعت «قوات الدعم السريع» إلى توجيه أنظارها مجدداً إلى مدينة الفاشر.

وقال: «قوات الدعم السريع تكثف جهودها للسيطرة على الفاشر، وهو ما يمنحها موقفاً تفاوضياً أقوى».

وأضاف: «يمكنها (قوات الدعم السريع) الادعاء بأنها تمثل إقليم دارفور بأكمله».


4 قتلى جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة في جنوب لبنان

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

4 قتلى جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة في جنوب لبنان

تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، اليوم (الخميس)، بسقوط قتلى جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة على طريق بلدة بافليه بالجنوب.

وأكد الدفاع المدني اللبناني مقتل 4 إثر الغارة الجوية.

ويتبادل الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» اللبناني القصف عبر الحدود منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.


«الدفاع السورية»: إسقاط صواريخ إسرائيلية أُطلقت من الجولان نحو ريف دمشق

اّلية عسكرية إسرائيلية بالقرب من كتسرين في هضبة الجولان (رويترز)
اّلية عسكرية إسرائيلية بالقرب من كتسرين في هضبة الجولان (رويترز)
TT

«الدفاع السورية»: إسقاط صواريخ إسرائيلية أُطلقت من الجولان نحو ريف دمشق

اّلية عسكرية إسرائيلية بالقرب من كتسرين في هضبة الجولان (رويترز)
اّلية عسكرية إسرائيلية بالقرب من كتسرين في هضبة الجولان (رويترز)

قالت وزارة الدفاع السورية إن الدفاعات الجوية أسقطت، اليوم (الخميس)، صواريخ إسرائيلية تم إطلاقها من هضبة الجولان باتجاه ريف دمشق.

وذكرت الوزارة: «نحو الساعة 3:20 فجر اليوم شن العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً من اتجاه الجولان السوري المحتل مستهدفاً أحد الأبنية في ريف دمشق، وقد تصدت وسائط دفاعنا الجوي لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها وأدى العدوان لوقوع بعض الخسائر المادية»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان في عام 1967 وضمتها في عام 1981 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي. ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، نفّذت إسرائيل مئات الضربات الجوية التي استهدفت الجيش السوري وفصائل مسلحة موالية لإيران تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري وفي مقدّمها حزب الله اللبناني. وزادت وتيرة هذه الضربات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.


إسرائيل تتوعد لبنان بـ«صيف ساخن»

الدخان يتصاعد بعد غارة إسرائيلية على قرية العديسة جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)... وفي الإطار وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت يتحدث إلى جنود خلال زيارته منشأة بطارية مدفعية تقدم الدعم الناري للقوات في رفح جنوب قطاع غزة أمس (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة إسرائيلية على قرية العديسة جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)... وفي الإطار وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت يتحدث إلى جنود خلال زيارته منشأة بطارية مدفعية تقدم الدعم الناري للقوات في رفح جنوب قطاع غزة أمس (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تتوعد لبنان بـ«صيف ساخن»

الدخان يتصاعد بعد غارة إسرائيلية على قرية العديسة جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)... وفي الإطار وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت يتحدث إلى جنود خلال زيارته منشأة بطارية مدفعية تقدم الدعم الناري للقوات في رفح جنوب قطاع غزة أمس (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد بعد غارة إسرائيلية على قرية العديسة جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)... وفي الإطار وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت يتحدث إلى جنود خلال زيارته منشأة بطارية مدفعية تقدم الدعم الناري للقوات في رفح جنوب قطاع غزة أمس (د.ب.أ)

توعدت إسرائيل، أمس (الأربعاء)، لبنان بـ«صيف ساخن»، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال زيارته لموقع عسكري على حدود لبنان إن الجيش «أبعد (حزب الله) عن خطوط التماس إلى مسافات كبيرة»، لكنه استدرك قائلاً: «هذا لا يعني أنه اختفى، لكنه ليس موجوداً هناك».

وأكد غالانت أن قواته تسعى جاهدة للوصول إلى «وضع من دون الوصول إلى الحرب، لكن إذا كان هذا هو الملاذ الأخير، فسنلجأ إليه، لأننا في النهاية لدينا التزام بالعقد بيننا وبين المواطنين». وتابع قائلاً: «لدينا منظومات نارية كبيرة جداً وثقيلة جداً، وسنتأكد من تفعيلها إذا استدعت الحاجة وتوفرت الأسباب؛ عليك الاستعداد للمواصلة... هذا الصيف قد يكون حاراً».

وبُعيد الأداء بتصريحه من مقر الفرقة (91) التابعة للقيادة الشمالية والمسؤولة عن الجبهة مع لبنان، من رأس الناقورة إلى جبل الشيخ، أعلن «حزب الله» عن استهداف المقر العسكري بصاروخ «بركان» من النوع الثقيل، كما جاء في بيانه، وذلك بعد سبعة بيانات أخرى أعلن فيها عن استهداف تجمعات لجنود ومنازل باتت مقرات مؤقتة للقوات الإسرائيلية في خمس بلدات حدودية.

واستخدمت إسرائيل قنابل خارقة للتحصينات في قصف جنوب لبنان. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إنه هاجم أكثر من 20 هدفاً عسكرياً لـ«حزب الله»، مضيفاً أن من بين الأهداف مباني عسكرية، وبُنى تحتية عسكرية.

في غضون ذلك، تحدثت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط»، عن تحذيرات غربية من تدهور الوضع على امتداد الجبهة الشمالية بشكل يصعب السيطرة عليه، وأن هناك ضرورة لضبط النفس والتعاطي بإيجابية ومرونة مع الجهود الأميركية والفرنسية، لعلها تؤدي إلى منع إسرائيل من توسعة الحرب، وذلك بالاندفاع نحو تطبيق القرار (1701)، وعدم الاستخفاف بالتحذيرات من لجوء نتنياهو إلى تصعيد غير مسبوق للمواجهة مع «حزب الله».


إسرائيل توسّع «عملية رفح»... وتطمئن مصر

قوة إسرائيلية في رفح أمس (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
قوة إسرائيلية في رفح أمس (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
TT

إسرائيل توسّع «عملية رفح»... وتطمئن مصر

قوة إسرائيلية في رفح أمس (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
قوة إسرائيلية في رفح أمس (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

وسّعت إسرائيل أمس (الأربعاء) عمليتها في رفح غداة سيطرتها على الجانب الفلسطيني من المعبر الحدودي مع مصر، في خطوة أثارت كما يبدو غضباً أميركياً.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، أن قواته تواصل نشاطها المركّز شرق رفح ضد مسلحي «حماس»، مشيراً إلى العثور على فتحات أنفاق وقتل 20 مسلحاً. كما قال ناطق عسكري إن سلاح الجو شن أكثر من 100 غارة على القطاع. وفي المقابل، أكدت «كتائب القسام» أن مقاتليها يخوضون اشتباكات ضارية شرق مدينة رفح.

ورفضت السلطة الفلسطينية أمس أي شكل من أشكال الوصاية على معبر رفح، الذي سيطرت عليه قوات الاحتلال الثلاثاء، فيما هدّدت الفصائل الفلسطينية بالتعامل مع أي قوة هناك باعتبارها قوة احتلال، وذلك بعد تقارير عن نية إسرائيل تسليم المعبر في مرحلة لاحقة إلى شركة أمنية أميركية خاصة.

في غضون ذلك، وجّهت إسرائيل رسالة طمأنة إلى مصر القلقة من تحركات جيش الاحتلال على حدودها في رفح. وقال أوفير جنلدمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، أمس، إن إسرائيل تعي الحساسية المتعلقة بإجراء عملية عسكرية قرب الحدود المصرية، مؤكداً أن هذه العملية لا تخالف على الإطلاق معاهدة السلام المبرمة بين الجانبين. كما كرر تأكيدات سابقة بأن عملية رفح «محدودة».

لكن الهجوم على رفح أثار غضباً أميركياً، إذ قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أمام مجلس الشيوخ: «كنا في غاية الوضوح منذ البداية أن إسرائيل يجب ألا تشن هجوماً كبيراً في رفح من دون وضع المدنيين في محيط تلك المعركة وحمايتهم بعين الاعتبار». وأكد تجميد تسليم «شحنة من الذخائر شديدة الانفجار» إلى إسرائيل.

من جهة أخرى، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة العثور على مقبرة جماعية داخل مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة وسحب 49 جثة منها.


«حزب الله» العراقي قلق من إنشاء «طريق التنمية»


السوداني خلال استقباله أوزرا زيا وكيلة وزير الخارجية الأميركي في بغداد أمس (إعلام حكومي)
السوداني خلال استقباله أوزرا زيا وكيلة وزير الخارجية الأميركي في بغداد أمس (إعلام حكومي)
TT

«حزب الله» العراقي قلق من إنشاء «طريق التنمية»


السوداني خلال استقباله أوزرا زيا وكيلة وزير الخارجية الأميركي في بغداد أمس (إعلام حكومي)
السوداني خلال استقباله أوزرا زيا وكيلة وزير الخارجية الأميركي في بغداد أمس (إعلام حكومي)

انتقد «حزب الله» العراقي بشدة مشروع طريق استراتيجي تعمل الحكومة على إنشائه لنقل البضائع من الخليج إلى تركيا.

وشكّك المتحدث باسم الفصيل المسلح أبو علي العسكري في مشروع «طريق التنمية»، قائلاً، في منشور على منصة «إكس»، إن «هذا الطريق لا يزال مصدر قلق لنا (...) ما نريده (من الحكومة) دلائل لقطع الشك باليقين قبل الشروع بتنفيذه».

وتقول الحكومة العراقية إنها شرعت بالفعل في التنفيذ بالتنسيق مع تركيا، كما أقرت مدن مثل بغداد خططاً ميدانية لمسار الطريق. وفي أبريل (نيسان) الماضي، أشرف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس التركي رجب طيب إردوغان على توقيع مذكرة تفاهم رباعية، إلى جانب كل من الإمارات وقطر للتعاون في تنفيذ «طريق التنمية».

في شأن آخر، هاجم المتحدث باسم الفصيل الموالي لإيران، الحكومة العراقية بزعم أنها «غير جادة في إخراج القوات الأميركية من البلاد». وقال العسكري: «لم نرَ الجدية المطلوبة من الحكومة العراقية لإخراج هؤلاء (الأميركيين)، وقراءتنا هذه لها ما لها».

من جهته، استكمل رئيس الوزراء العراقي مباحثاته مع الأميركيين بشأن الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين، حين استقبل، أمس، أوزرا زيا وكيلة وزير الخارجية الأميركي. وقال مكتب السوداني، طبقاً لبيان صحافي، إن الأخير ناقش عشرات الاتفاقيات التي أبرمها خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، أبريل الماضي.


«حماس» تؤكد تمسكها بالموافقة على مقترح الهدنة

نازحون فلسطينيون يغادرون بعد أوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء مواقعهم في رفح (إ.ب.أ)
نازحون فلسطينيون يغادرون بعد أوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء مواقعهم في رفح (إ.ب.أ)
TT

«حماس» تؤكد تمسكها بالموافقة على مقترح الهدنة

نازحون فلسطينيون يغادرون بعد أوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء مواقعهم في رفح (إ.ب.أ)
نازحون فلسطينيون يغادرون بعد أوامر الجيش الإسرائيلي بإخلاء مواقعهم في رفح (إ.ب.أ)

أكد عزت الرشق عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، أن الحركة متمسكة بموقفها تجاه مقترح الهدنة وبموافقتها عليه.

وقال الرشق في وقت متأخر من مساء أمس (الأربعاء): «حماس متمسكة بموقفها الذي أبلغته للوسطاء بالموافقة على مقترحهم».

وجاءت تصريحاته في الوقت الذي استضافت فيه القاهرة محادثات جديدة لوقف إطلاق النار بحضور وفود من حماس وإسرائيل والولايات المتحدة وقطر في محاولة للتوصل إلى اتفاق.


«حماس» تتهم إسرائيل بمحاولة الانقلاب على اتفاق وقف النار

قوة إسرائيلية في رفح اليوم الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
قوة إسرائيلية في رفح اليوم الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
TT

«حماس» تتهم إسرائيل بمحاولة الانقلاب على اتفاق وقف النار

قوة إسرائيلية في رفح اليوم الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
قوة إسرائيلية في رفح اليوم الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

قال القيادي في حركة «حماس» محمود المرداوي إن مقترح اتفاق الهدنة الذي أبدت الحركة موافقتها عليه، يوم الاثنين، جاء في أعقاب جولة تفاوضية نقل خلالها الوسيطان القطري والمصري ردود الحركة على المقترح المقدم إلى مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز وفريقه الذين بدورهم نقلوها إلى الجانب الإسرائيلي وعادوا بردود من تل أبيب. وجاء كلام القيادي في «حماس» في وقت نقل إعلام مصري عن مصدر رفيع قوله إن محادثات وقف إطلاق النار في غزة تجري «وسط توافق ملحوظ» مع بعض النقاط الخلافية.

وأوضح المرداوي، وهو رئيس الدائرة السياسية في «حماس»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الجانب الأميركي كان حاضراً في المفاوضات «بشكل حثيث ولحظي وكان ينقل للجانب الإسرائيلي جميع البنود التي تطرأ عليها التعديلات»، مشيراً إلى أن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أن تل أبيب لم تكن على اطلاع على الاتفاق «غير صحيح ومحاولة للانقلاب على ما تم الاتفاق عليه».

وأشار المرداوي إلى أن نتنياهو ورئيس الموساد ديفيد برنيع ورئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونان بار كانوا على اطلاع على مجريات المفاوضات ومستجداتها كما تصل إليهم التعديلات من الجانب الأميركي ويقدمون ردودهم عليها، لا سيما أن هذه المفاوضات لم تستغرق يوماً أو يومين، بل ظلت مستمرة طيلة الفترة الماضية.

وتحدث القيادي في «حماس» عن نقطة خلافية في الاتفاق بشأن التعديل الذي طرأ على بنود المرحلة الثانية، وهي بنود تتعلق بالإعلان عن وقف شامل لإطلاق النار في غزة، إذ ظل هذا البند محل خلاف عميق بين «حماس» وإسرائيل رغم أن نسخة الاتفاق الأخيرة أشارت إلى البدء بـ«الإعلان عن عودة الهدوء المستدام (وقف العمليات العسكرية والعدائية) وبدء سريانه» مع بداية المرحلة الثانية من الاتفاق. وقال المرداوي إن «حماس» ضغطت لتضمين وقف إطلاق النار في المرحلة الأولى، إلا أن نص المقترح بشأن «الهدوء المستدام» ظل دون تغيير رغم «خوض مفاوضات مضنية لأسابيع، قبل أن يجري ترحيل طلبنا إلى المرحلة الثانية».

ومن بين نقاط الخلاف بين «حماس» وإسرائيل، يبرز ملف المحتجزين لدى الحركة وأعدادهم ومصيرهم. فبينما تطالب إسرائيل بأن يكون الأسرى الـ33 الذين ستطلق الحركة سراحهم أحياء، يقول المرداوي إنه من غير الممكن أن تقدم «حماس» للجانب الإسرائيلي معلومات مسبقة حول الأسرى. ويضيف أن مرحلة التبادل وجداولها وتوقيتاتها تفتح المجال أمام الذهاب لمواقع الأسرى والجهات التي لديها أسرى «لإحصاء أعدادهم وتحديد أماكن الأحياء والأموات من أجل التسليم وفق المواعيد المتفق عليها».

ويشير المرداوي إلى أن الاتصالات مع بعض نقاط وجود الأسرى في غزة مقطوعة، وأي محاولة لفتح قنوات الاتصال في هذه المرحلة تحمل مخاطر أمنية يمكن أن «تؤدي إلى القضاء على الآسر والمأسور»، مضيفاً: «في هذه المرحلة لا نعلم مصير جميع الأسرى، والتأكد من ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظروف جرى تحديدها بعد توقف حركة الطيران ووقف إطلاق النار وحرية الحركة حتى نتمكن من الوصول إلى جميع المواقف ونختبر ما فيها، وبناءً على ذلك نمضي لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه حرفاً ونصاً».

وفي الوقت الذي عادت فيه الأطراف المتفاوضة إلى القاهرة، أشار المرداوي إلى أن الوسطاء يبذلون جهداً كبيراً بالتزامن مع وجود مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز في إسرائيل، بانتظار ما الذي يمكن أن يتمخض عن لقاءاته، مؤكداً أنه «من غير الممكن إعادة فتح الاتفاق والخوض في ما تم التفاوض عليه طيلة أشهر».


هل تصمد معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية أمام «التحركات العسكرية» المتبادلة؟

صورة من الجانب المصري من معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (رويترز)
صورة من الجانب المصري من معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (رويترز)
TT

هل تصمد معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية أمام «التحركات العسكرية» المتبادلة؟

صورة من الجانب المصري من معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (رويترز)
صورة من الجانب المصري من معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (رويترز)

أثارت تحركات عسكرية إسرائيلية ومصرية متبادلة على الحدود مع قطاع غزة، جدلاً بشأن مصير اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين عام 1979، وإمكانية أن تصمد في مواجهة ما وصفه البعض بـ«خروقات» لبنودها، وصل حد المطالبة بتجميدها أو إلغائها. في حين علق متحدث إسرائيلي، الأربعاء، بأن العملية قرب الحدود المصرية لا تخالف معاهدة السلام على الإطلاق.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، وتداولت وسائل الإعلام صوراً ومقاطع فيديو تظهر تواجداً لعربات عسكرية إسرائيلية في محيط معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وترفع العلم الإسرائيلي. وتزامن ذلك مع أنباء عن تعزيزات عسكرية مصرية على الحدود، وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، الثلاثاء، إن «القوات المسلحة المصرية نشرت قوات وآليات شرقي وغربي معبر رفح في الجانب المصري»، وأوضحت أن «تلك القوات في حالة استنفار واستعداد تام».

قوة إسرائيلية في رفح الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

وأدانت مصر، بـ«أشد العبارات» العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، وعدّت وزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء، ذلك بمثابة «تصعيد خطير»، مطالبة تل أبيب بـ«ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية».

غير أن أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال، الأربعاء، إن إسرائيل تعي الحساسية المتعلقة بإجراء عملية عسكرية قرب الحدود المصرية، مؤكداً على أن هذه العملية لا تخالف على الإطلاق معاهدة السلام المبرمة بين الجانبين. وذكر جندلمان في إيجاز صحافي، أن العملية التي يجريها الجيش في معبر رفح الحدودي بجنوب غزة ستستمر لحين «القضاء» على «حماس» والإفراج عن المحتجزين في القطاع. وأضاف: «قواتنا تواصل عملياتها العسكرية المركزة والمحدودة في معبر رفح، الذي استخدم من قِبل (حماس) على مدار سنوات طويلة لتهريب الأسلحة للقطاع»، مشيراً إلى أن الجيش قتل 20 مسلحاً من حركة «حماس» في محيط المعبر. وفيما يخص المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و«حماس» وجهود الوساطة المبذولة بشأنها، قال جندلمان إن مقترح حماس بخصوص مفاوضات الإفراج عن المحتجزين «بعيد جداً عن ثوابتنا ومواقفنا».

وكان الجيش الإسرائيلي، قد أعلن، الثلاثاء، أنه سيطر بالكامل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المصرية في عملية عسكرية بدأها يوم الاثنين.

وأثارت تلك التحركات جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت مثار نقاش في عدد من وسائل الإعلام المحلية. اذ عدت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي، اقتراب إسرائيل من الحدود المصرية «انتهاكا يلغي معاهدة السلام». وقالت، خلال حلقة الثلاثاء من برنامجها الذي يعرض على قناة «سي بي سي»: إن «معاهدة السلام ألغيت بما حدث من إسرائيل اليوم على الأصعدة الشعبية... ما يستدعي ردا تاريخيا».

وأضافت «مصر جاهزة بعد الخروقات الإسرائيلية لكل السيناريوهات للحفاظ على حدودها... معاهدة السلام أصبحت محرجة وعبء شعبي»، مطالبة مؤسسات الدولة بـ«السعي إلى معاهدة سلام جديدة يبرمها الرئيس عبد الفتاح السيسي تعكس تغيرات السنوات الأخيرة».

في المقابل، يرى الدكتور مفيد شهاب، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، أن ما حدث من جانب إسرائيل «لا يعد خرقاً لمعاهدة السلام»، موضحا خلال مداخلة تلفزيونية، أن «فلسطين أرض محتلة، وإسرائيل تقوم بإدارتها بصفتها قوة احتلال».

وأضاف: «تجميد أو إلغاء المعاهدة مرتبط باعتداء مباشر على مصر، وهو لم يحدث، وبالتالي لا يمكن الحديث عن المعاهدة؛ لأن ما حدث من جانب إسرائيل لا يمس بها قانونياً».

لكنه أشار إلى أن «التصرفات الإسرائيلية في غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مدانة دولياً، والعملية الأخيرة تؤدي إلى توتر العلاقات مع مصر سياسياً كما تعرقل الجهود الرامية لإنجاز هدنة في قطاع غزة». وجدد التأكيد على أن «ما فعلته إسرائيل أمر خاطئ سياسياً، لكن لا يوجد اعتداء أو مساس بالاتفاقية يسمح باتخاذ موقف بشأنها».

قوات إسرائيلية في رفح الأربعاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

وتعد هذه هي المرة الأولى منذ عام 2005 التي تتواجد فيها قوات إسرائيلية في المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة، منذ انسحابها من القطاع، ونقل الإشراف على معبر رفح إلى السلطة الفلسطينية ومراقبين من الاتحاد الأوربي بموجب اتفاقية المعابر.

وفي عام 2007، سيطرت حركة «حماس» على قطاع غزة، وأصبح معبر رفح تحت سيطرتها.

ونظمت معاهدة السلام، التي وقّعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغن في 26 مارس (آذار) 1979 برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، في فقرتها الثانية ضمن ما يسمى بـ«الحدود النهائية» الأنشطة العسكرية في سيناء ورفح، حيث تم تقسيمها إلى أربع مناطق «أ، ب، ج، د». وبحسب المعاهدة، يوجد بالمنطقة (د) قوة محدودة إسرائيلية مكونة من أربع كتائب مشاة، وأجهزتهم العسكرية والتحصينات وقوات المراقبة الخاصة بالأمم المتحدة.

ويرى اللواء نصر سالم، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية في مصر، أن ما حدث من جانب إسرائيل «ليس خرقاً لمعاهدة السلام، ولا يمس بها». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «قطاع غزة محتل، وإسرائيل هي دولة الاحتلال، وتحركات إسرائيل كلها داخل قطاع غزة ولم تمس مصر من قريب أو بعيد».

وأضاف أن «المنطقة (د) موجودة بعمق 2 إلى 4 كم داخل قطاع غزة، ويتواجد بها وفقاً لمعاهدة السلام شرطة مدنية وعدد محدود من القوات، وكذلك الأمر بالنسبة للمنطقة (ج) على الجانب المصري من الحدود داخل سيناء».

وتابع: «إسرائيل لم تخالف المعاهدة حتى الآن، ولو فعلت ووضعت دبابة في تلك المنطقة، فإن هناك آلية للتعامل مع ذلك، حيث يتم حصر المخالفات من الجانبين ومناقشتها في اجتماعات دورية تعقد كل أشهر عدة»، مستطرداً: «هذه المخالفات لا تعني إلغاء المعاهدة وشن حرب».

وأوضح أن «معاهدة السلام حددت نوعية القوات على الأرض في إطار ما يسمى بسياسة الردع الاستراتيجي، أي منع الطرف الآخر من القيام بعمل عدائي».

وعام 2021 أعلنت مصر وإسرائيل تعديلاً في معاهدة السلام يعزّز وجود الجيش المصري في رفح، وهو التعديل الأول في مسار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

ورداً على مَن يطالبون بإلغاء أو تجميد المعاهدة، قال مستشار الأكاديمية العسكرية: «ما الهدف من الدخول في حرب، ومن المستفيد من ذلك»، مشيراً إلى أن «وجود هذه المعاهدة يسمح لمصر بلعب دور الوسيط في مباحثات الهدنة كطرف محايد، إضافة إلى جهودها في إدخال المساعدات، وهو ما قد لا يتأتى حال إلغاء المعاهدة». وأضاف: «الدول لا تدار بالانفعالات».

معبر رفح بات تحت سيطرة إسرائيل في جانبه الفلسطيني 7 مايو (الجيش الإسرائيلي- رويترز)

ومنذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي أصبحت المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة، وتحديداً «محور فيلادلفيا» مثار تجاذبات بين مصر وإسرائيل، مع تداول أنباء عن عزم تل أبيب فرض سيطرتها على المحور الحدودي عدّتها مصر «خطاً أحمر». ومنذ بدء الحرب على غزة عززت مصر من إجراءات تأمين الحدود.

ووصف مستشار الأكاديمية العسكرية التعزيزات العسكرية المصرية الأخيرة على الحدود بأنها «طبيعية». وقال: «مصر يجب أن تكون مستعدة لكل السيناريوهات»، مشيراً إلى أن «التهديد الحقيقي الآن مرتبط بالضغط على الفلسطينيين ودفعهم تجاه الحدود المصرية ما يمس بسيادة البلاد».

وسبق أن نفت مصر في يناير (كانون الثاني) الماضي مزاعم إسرائيل بتهريب السلاح إلى داخل غزة عبر الحدود المصرية، وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان، في بيان صحافي وقتها، إنه في إطار جهود مصر في مكافحة «الإرهاب» في سيناء، «عملت على تقوية الجدار الحدودي مع قطاع غزة الممتد لـ14 كيلومتراً، عبر تعزيزه بجدار خرساني طوله 6 أمتار فوق الأرض و6 أمتار تحت الأرض، فأصبح هناك ثلاثة حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية، يستحيل معها أي عملية تهريب لا فوق الأرض ولا تحت الأرض».


احتدام التنافس على شراء القمح السوري مع توقعات بوفرة المحاصيل

وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا يتفقد محصول القمح في حماة والغاب وسط سوريا (الإعلام الزراعي)
وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا يتفقد محصول القمح في حماة والغاب وسط سوريا (الإعلام الزراعي)
TT

احتدام التنافس على شراء القمح السوري مع توقعات بوفرة المحاصيل

وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا يتفقد محصول القمح في حماة والغاب وسط سوريا (الإعلام الزراعي)
وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا يتفقد محصول القمح في حماة والغاب وسط سوريا (الإعلام الزراعي)

يتزايد التنافس بين دمشق والإدارة الذاتية، شمال شرقي البلاد، على شراء القمح في محافظة الحسكة، التي تنتج نحو 70 في المائة من القمح السوري، حيت تتطلع دمشق إلى تخفيض مستورداتها من القمح.

وبحسب تصريحات رئيس الوزراء السوري، حسين عرنوس، أمام مجلس الشعب، الذي عقد دورته الـ12، اليوم (الأربعاء)، فإن كمية الأقماح المستوردة خلال العام بلغت نحو «674 ألف طن»، بقيمة وصلت إلى نحو «3000 مليار ليرة سورية»، علماً أن سوريا منذ اندلاع الحرب تستورد ثلثي احتياجها السنوي من القمح، البالغ 2.5 مليون طن.

كلام رئيس الحكومة، الذي نقلته وسائل إعلام محلية، يتزامن مع اقتراب موسم الحصاد الشهر المقبل، وسط توقعات بوفرة الإنتاج، بما يصل إلى مليوني طن من القمح في المناطق الحكومية نتيجة الهطولات المطرية الجيدة خلال العام.

سوريون «يشوون» القمح في بنش بريف إدلب شمال غربي سوريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

في حين تشير معطيات أخرى عن احتمال وصول إنتاج مناطق الإدارة الذاتية في محافظة الحسكة، شرق البلاد، إلى مليون ونصف مليون طن، حيث تعد محافظة الحسكة الأولى في إنتاج القمح السوري، تليها محافظة حلب، التي تسيطر على أجزاء من ريفها الشمالي والغربي فصائل معارضة.

وفي إطار التنافس بين القوى المسيطرة على الأراضي الزراعية السورية، رفعت دمشق سعر شراء القمح من الفلاحين نحو 1300 ليرة عن سعر الموسم الفائت، وأعلنت تحديد السعر التأشيري لشراء مادة القمح للموسم الحالي بـ5500 ليرة للكيلوغرام الواحد. يشار إلى أن السعر الوسطي لصرف الدولار الأميركي الواحد 14600 ليرة سورية.

مزارعون في أحد حقول القمح شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

وتأمل دمشق استلام أكبر كمية ممكنة من قمح الحسكة، بهدف تخفيض مستورداتها من القمح اللازم لصناعة الخبز، حيث تسعى عبر المؤسسة العامة للحبوب إلى التعاقد مع الفلاحين في مناطق الإدارة الذاتية لشراء محاصيلهم، في خطوة استباقية، كون دمشق تتهم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بمنع الفلاحين من بيع إنتاجهم للحكومة في دمشق.

ومن المتوقع أن تحدد الإدارة الذاتية سعر شراء القمح من الفلاحين خلال الأيام المقبلة، بعد تخصيصها 30 مركزاً في جميع المناطق لاستلام مادة القمح من الفلاحين، المقدرة بنحو مليون ونصف مليون طن من القمح في الموسم الحالي، ولا سيما أنها استلمت العام الفائت نحو مليون و300 ألف طن من محصول القمح بسعر 43 سنتاً أميركياً للكيلوغرام الواحد، أي ما يعادل 7 آلاف ليرة، وهو ضعف السعر الذي حددته دمشق، العام الماضي والعام الحالي، بحسب تقارير إعلامية محلية.

وتنوي الإدارة الذاتية شراء كامل محصول القمح من المزارعين خلال الموسم الزراعي 2024، وفق ما ذكره موقع «نورث برس» الإخباري المحلي.

في المقابل، لم تتجاوز الكمية التي استلمتها من قمح الجزيرة السورية 750 ألف طن، وهي الكمية الكافية لتغطية حاجات مناطق سيطرتها في محافظة الحسكة. ورغم التوقعات التي سادت العام الماضي بوفرة الإنتاج، ما يقلّص فاتورة استيراد القمح، فإن دمشق تعاقدت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع روسيا لاستيراد نحو 1.4 مليون طن من القمح، لسدّ الفجوة بين الإنتاج المحلي من القمح والاحتياج المحلي.

ولتخفيف أعباء التسديد بالقطع الأجنبي، عمدت إلى مقايضة كميات القمح السوري القاسي بكميات من القمح الطري المستورد اللازم لصناعة الخبز.

وتتخوف الحكومة بدمشق من مخاطر ارتفاع أسعار القمح عالمياً وصعوبات النقل والتجارة في ظل العقوبات الدولية والاضطرابات في المنطقة، حيث عقدت اجتماعاً مصغراً مطلع شهر فبراير (شباط) الماضي، لبحث كيفية إدارة سلسلة توريد وتأمين مادة القمح. مع تأكيدات حكومية بأن مخزون القمح جيد جداً، في المستودعات وفي جميع المحافظات.

ويعد القمح من المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية في سوريا، وكان متوسط إنتاجها قبل الحرب 4 ملايين طن، ووصلت في بعض السنوات إلى ما يقرب 5 ملايين طن، كان يستهلك منها 2.5 مليون طن محلياً، فيما يصدر الفائض.