السعودية... «الدولة القائد»

المملكة والتحالفات غير التقليدية في الشرق الأوسط

السعودية... «الدولة القائد»

[caption id="attachment_55263016" align="aligncenter" width="2000"]خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز يقلد ترامب قلادة الملك عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز يقلد ترامب قلادة الملك عبدالعزيز[/caption]

انقرة - محمد عبد القادر خليل*



* بدا مركزياً في أنماط التحرك القيادي السعودي، مدى إدراك طبيعة الإمكانيات السياسية، والقدرات العسكرية، والمؤهلات الاقتصادية، والثوابت الجيواستراتيجية التي تتمتع بها المملكة.
* أعادت المملكة العربية السعودية الاعتبار والمكانة ليس وحسب للقوة الناعمة السعودية، وإنما أيضا للقوة الخشنة، وذلك بعد ثلاثة أشهر من تولي الملك سلمان، عبر الإعلان عن «عاصفة الحزم».
* أثبتت المملكة امتلاكها القدرة على تنويع أنماط تحالفاتها، وأن تحولات العلاقات السعودية – الروسية لم تأت في إطار تبدلات شكلية، ولا تمثل محاولة للضغط على الولايات المتحدة الأميركية.
* تحرص المملكة العربية السعودية على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى، والتي ارتبطت معها بشبكة من المصالح التي جاءت انعكاسًا لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والإسلامي.
* سعت المملكة، في ظل حكم الملك سلمان، إلى تأكيد وترسيخ وتعميق الثوابت الاستراتيجية.




تحولات متسارعة شهدها نمط الأدوار الإقليمية للمملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة، سيما منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود مقاليد السلطة في يناير (كانون الثاني) 2015، حيث برزت أدوار ومهام «القائد الإقليمي» التي اضطلعت بها المملكة عبر عدد من المبادرات، التي لم تقف آثارها عند حدود الشرق الأوسط، ولم ترتبط أطرافها بمحض دوله، وإنما تعدت ذلك عبر مؤتمرات دولية، وتفاعلات إقليمية وتحالفات مغايرة بعضها تقيد بحدود الإقليم، وبعضها الآخر تجاوزه لتتشكل تحالفات فوق تقليدية تعدت تمركزاتها ومحفزات بروزها المستويات السياسية إلى المستويات والهياكل الاقتصادية، والأمنية، والعسكرية.

طرح ذلك أفكاراً أكاديمية تأسست على مظاهر وارتدادات الحركة السعودية، وارتبطت بمفهوم «القائد الإقليمي»، أو «الدولة القائد»، القادرة على تأطير وتوجيه السياسات في المنطقة نحو تشكيل أطر مؤسسية تعبر عن الإرادة الجماعية، أو الاتجاهات التوافقية لدى أغلب الفواعل الإقليمية. وقد تعلق ذلك بعدد من المحركات الحاكمة، منها نمط الإدراك السعودي الذاتي لحجم الثقل الذي غدت تتمتع به خليجيا، وعربيا، وإقليميا، ودوليا، وما قد ينتج عن التحرك بفاعلية حيال القضايا الإقليمية من تغليب وترجيح التفاعلات التي من شأنها تحقيق المصالح القومية العربية.

ذلك أنه بدا مركزيا في أنماط التحرك القيادي السعودي، مدى إدراك طبيعة الإمكانيات السياسية، والقدرات العسكرية، والمؤهلات الاقتصادية، والثوابت الجيواستراتيجية التي تتمتع بها المملكة، هذا في وقت تزايدت فيه مظاهر إدراك افتقاد القوى الإقليمية المنافسة المقومات اللازمة للاضطلاع بأدوار ما يمكن أن نطلق عليه «قوة الترجيح الإقليمي»، وذلك بسبب سياسات بعض القوى الإقليمية، التي أوجدت مساحات للتوتر، ونطاقات تتسع للصراع باطراد. دفع ذلك بضرورة تشكل محور عربي - إسلامي تقوده السعودية، بحسبانها صاغت توافقات مستجدة تضمن التعبير عن المصالح الخليجية والرؤى العربية التي بدت غائبة، في إطار المفاوضات والمساومات الدولية والإقليمية، حيال الكثير من القضايا التي تعد بالأساس قضايا عربية.
وقد بدا محوريا ضمن هذه التحولات المتسارعة في أدوار المملكة الإقليمية ارتدادات وتأثيرات المتغير القيادي، حيث أصبحت السعودية في ظل حكم الملك سلمان أكثر انشغالا باحتلال موقع القيادة في الإقليم العربي والإسلامي. ومع اقتراب المملكة من موقع القيادة الفعلية، واكتسابها أغلب مؤهلاتها، غدت السعودية في صورة جديدة مختلفة عن السابق، سيما بعد أن شرع الملك في إعادة ترتيب البيت الداخلي، سواء بيت الحكم أو الدولة السعودية بشكل عام، ولأجل ذلك صدرت عشرات القرارات الملكية تناولت مختلف شؤون الحياة السياسية والاقتصادية، وهو ما أهَّل المملكة لأن تتحرك بفاعلية ومرونة أكبر حيال مختلف القضايا الإقليمية.


الدولة القائد... محاور التحرك الخارجي




أعادت المملكة العربية السعودية الاعتبار والمكانة ليس وحسب للقوة الناعمة السعودية، وإنما أيضا للقوة الخشنة أو الأدوات الصلبة، وذلك بعد محض ثلاثة أشهر من تولي الملك سلمان، عبر الإعلان عن «عاصفة الحزم» في اليمن، في سابقة غير معهودة في السياسة السعودية؛ فلم تدخل المملكة حرباً عسكرية مباشرة إلا حينما تعرضت هي أو إحدى شقيقاتها في الخليج لعدوان عسكري مباشر، وكانت تدخل هذه الحروب استنادا إلى تحالف دولي.

[caption id="attachment_55263017" align="aligncenter" width="5207"]الملك سلمان بن عبد العزيز و الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل محادثاتهما في الكرملين 5 أكتوبر 2017. (غيتي) الملك سلمان بن عبد العزيز و الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل محادثاتهما في الكرملين 5 أكتوبر 2017. (غيتي)[/caption]

بيد أن عاصفة الحزم شكلت تحولا نوعيا في إطار التحالفات العسكرية في الإقليم، كونها تأتي لأول مرة بقرار عربي مستقل، وهذا القرار سعودي بالأساس، وتمتع بالشرعية الدولية، في إطار المنظمات الدولية كالأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، كما أنه مثَّل تحالفا عابرا لحدود الإقليم، بحسبانه شمل أيضا الكثير من القوى الإسلامية، ودُعم من قبل الكثير من القوى الدولية الرئيسية.
وعلى صعيد القضايا العربية، فقد تبنت السياسة الخارجية السعودية اقتراب «المبادر الإقليمي»، وانتهجت «الدبلوماسية الاستباقية» حيال مختلف القضايا الإقليمية، كما انفتحت على علاقات أرسخ مع قوى وتيارات داخل الكثير من الدول التي تشهد توترات متصاعدة الحدة، وذلك لمجابهة التأثيرات السلبية، والارتدادات العكسية للسياسات الإيرانية. فعلى صعيد التطورات في العراق، تبنت المملكة مقاربة تقوم على إيجاد توافقات مع بعض القوى العراقية الداخلية بشأن قضايا العراق المركزية، وما تثيره من مظاهر للفرقة، والانقسام السياسي، والتناحر العسكري.

استهدفت المملكة من ذلك، تحقيق الاستقرار الغائب منذ سنوات خالية عن الساحة العراقية، كما ابتغى هذا التحرك تقليل مساحات الفراغ الاستراتيجي العربي، الذي تبنته طهران على الساحة العراقية من أجل تعزيز مكاسبها الاستراتيجية في مواجهة القوى العربية، بل وعلى نحو مثَّل تهديدا صارخا للأمن القومي العربي.
وفيما يخص القضية السورية، فقد انتهجت المملكة سياسات أكثر حزما حيال قضايا الحفاظ على المصالح العربية في الميدان السوري، وبدأ نطاق التنسيق السعودي – الروسي في هذا المجال غير مسبوق. ففي 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017. استضافت السعودية مؤتمرًا للمعارضة السورية يهدف إلى توحيد موقف فصائلها، قبل محادثات «جنيف 8» المدعومة من الأمم المتحدة، وفي 19 نوفمبر من العام نفسه، التقى ألكسندر لافرنتيف، المبعوث الرئاسي الروسي الخاص لسوريا، بولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمناقشة الملف السوري. وبعد أن حضر لافرنتيف لقاء «الرياض 2»، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أن «روسيا تعمل مع السعودية على توحيد المعارضة السورية».

وقد أشار موقع «المونيتور» إلى أن التنسيق السعودي – الروسي بلغ مستوى غير مسبوق، وأن المملكة باتت تعمل جديا على إبعاد إيران وميليشياتها عن الساحة السورية. بالمقابل، تسعى الرياض إلى تطوير علاقاتها مع موسكو في القطاعات الاقتصادية، والاستثمارية، وقطاع الطاقة، بالإضافة إلى إعادة هيكلة المعارضة السورية لكبح التهديدات الإيرانية.
وفي 30 مايو (أيار) 2017، التقى ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، واتفقا على تعزيز التعاون في قطاع الطاقة وتوثيق أوجه التعاون في الميدان السوري. وقال الأمير محمد بن سلمان: «تجمعنا أمور كثيرة. أما بالنسبة إلى نقاط الخلاف بيننا، فنعرف جيدًا كيف نتخطاها ونتقدم بسرعة بمنحى إيجابي». وقد مثَّل ذلك تمهيدا غير مسبوق لزيارة الملك سلمان إلى روسيا، باعتبارها أول زيارة لملك سعودي. ووصف لافروف الزيارة بـ«اللحظة التاريخية»، فيما اعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، زيارة الملك سلمان «نقطة تحّول» في مسار التفاعلات الثنائية والإقليمية.

وقد تزايدت مظاهر التنسيق السعودي – الروسي، حيث أعلنت الخارجية الروسية أن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، بحث مع السفير السعودي لدى روسيا، رائد بن خالد القرملي، الوضع في سوريا، والعراق، واليمن، وفي منطقة الخليج. وقالت الخارجية في بيان: «جرى خلال اللقاء بحث قضايا تتعلق بتعزيز التعاون الثنائي بين روسيا والمملكة العربية السعودية، مع التركيز على الجهود المشتركة لبدء تنفيذ المشاريع المتفق عليها في السنوات الأخيرة على أعلى مستوى».
أثبتت المملكة بذلك امتلاكها القدرة على تنويع أنماط تحالفاتها، وأن تحولات العلاقات السعودية – الروسية لم تأت في إطار تبدلات شكلية، ولا تمثل محاولة للضغط على الولايات المتحدة الأميركية، أو التلويح بامتلاك أوراق ضغط في مواجهتها، بقدر ما أظهرت الرغبة في امتلاك علاقات تدفع قدما بخطط المملكة، ورؤيتها السياسية، وتوجهاتها الخارجية، وفي هذا السياق، أعلنت السعودية والصين، عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم تقدر قيمتها بنحو 65 مليار دولار تشمل القطاعات التجارية، والاقتصادية، والعسكرية، والأمنية.

وقد عكس ذلك طبيعة التنوع الذي بات يسم علاقات المملكة بالقوى الدولية الرئيسية، سيما بعد أن وقعت السعودية مع الصين نحو 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، منها اتفاقية إطارية للتعاون الاستراتيجي شملت مذكرة تفاهم من أجل التعاون لإقامة مفاعلات نووية. كما جرى توقيع مذكرة تفاهم بشأن تعزيز التعاون المشترك في شأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، والتعاون في الطاقة الإنتاجية.
وفي سياق متصل، تم توقيع اتفاق للتعاون في مجال البحث والتطوير بين شركة أرامكو ومركز بحوث التطوير التابع لمجلس حكومة جمهورية الصين، وتوقيع مذكرة بشأن التعاون الاستراتيجي لتنمية الاستثمارات الصناعية والمحتوى المحلي، كما جرى توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وإدارة التراث الثقافي في الصين للتعاون والتبادل المعرفي في مجال التراث الثقافي.
وقد أثار التقارب السعودي - الصيني خلال الفترة الماضية كثيراً من التساؤلات حول أسبابه، وحدود هذا التقارب، وإمكانية أن تكون بكين حليفا مستقبليا للرياض، بدلا من واشنطن. موقع The Conservation أشار إلى أنه تم الاتفاق بين البلدين على إنشاء صندوق استثمار صيني - سعودي بقيمة 20 مليار دولار أميركي، إلى جانب مناقشات مشروعات الطاقة النووية وغيرها من الاتفاقيات الاقتصادية التي تبلغ قيمتها نحو 70 مليار دولار. وأضاف أن الصين ترى أن السعودية مصدر كبير للطاقة، حيث سيمكن توريد النفط السعودي على مدى عقدين على الأقل، من دفع عجلة التنمية الاقتصادية الصينية، في ظل نمو اقتصادها بسرعة كبيرة.

وكانت المملكة في إطار تنويع أنماط تحالفاتها الدولية عملت على توثيق العلاقات مع الصين، التي شملتها جولة الملك سلمان، إلى جانب أربعة بلدان آسيوية أخرى في مارس (آذار) 2017. وقد عقد الملك سلمان الكثير من المباحثات مع المسؤولين الصينيين، هذا فيما عبَّر الرئيس الصيني عن رغبة بلده في عقد تعاون استراتيجي مع السعودية، وتطلعها إلى تنفيذ المشروعات الجديدة، مشيرا إلى أنهم يعدون زيارة العاهل السعودية لبلدهم فرصة ثمينة للدفع بالعلاقات الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. وتشكل الصين الاقتصاد الثاني في العالم وهي أكبر المصدرين إلى السعودية، وأفادت وكالة أنباء الصين بأن المبادلات التجارية بين البلدين بلغت نحو 69.1 مليار دولار في عام 2014.
وجاءت زيارة الملك سلمان للصين بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني للسعودية في عام 2016. وتعد الزيارة الأولى لرئيس صيني إلى المملكة منذ سبع سنوات. كما شملت جولة الملك سلمان ماليزيا، التي لم يكن قد زارها ملك سعودي منذ عشر سنوات خلت، وشملت الجولة أيضا إندونيسيا، وبروناي، واليابان، والمالديف.

وقد حضر الملك سلمان، الجلسة الختامية لمنتدى الأعمال للرؤية السعودية - اليابانية 2030 تحت رعاية منظومة التجارة والاستثمار السعودية، ومركز التعاون الياباني لـ«الشرق الأوسط». وناقش المنتدى سبل تحقيق البرامج التنفيذية المنبثقة عن رؤية المملكة 2030. وتعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين السعودية واليابان
لا تنفصل هذه التحركات عن المواقف السعودية التي اتخذت مقاربات أكثر حزما - وعلى نحو غير مسبوق - حيال الحليف الأميركي، سيما في أثناء وجود الرئيس السابق باراك أوباما، وذلك بعد أن تأكدت من أن سياساته التراجعية غير عابئة بأمن الخليج، فسعت إلى توسيع دوائر الشركاء العالميين والإقليميين، دون إخلال يستدعي ارتدادات عكسية في إطار أنماط التحالف السعودي مع الولايات المتحدة الأميركية، على النحو الذي عكسته القمة الإسلامية – الأميركية في الرياض.

وفي هذا السياق، فإن الرسالة الرئيسية التي عولت عليها سياسة المملكة الإقليمية والدولية تقوم، حسب الخارجية السعودية، على مبادئ وثوابت، وضمن أطر رئيسية أهمها حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات بما يخدم المصالح المشتركة مع دول العالم، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية.
وتحرص المملكة العربية السعودية في المجال الدولي على إقامة علاقات متكافئة مع القوى الكبرى، والتي ارتبطت معها بشبكة من المصالح التي يمكن وصفها بأنها جاءت انعكاسًا لدورها المحوري المتنامي في العالمين العربي والإسلامي، والتي سعت من خلالهما إلى توسيع دائرة التحرك السعودي على صعيد المجتمع الدولي، لذا تحاول المملكة أن تتفاعل مع مراكز الثقل والتأثير في السياسة الدولية آخذة في الحسبان كل ما يترتب على هذه السياسة من تبعات ومسؤوليات.

يتأسس ذلك على كون المملكة العربية السعودية أحد الأعضاء المؤسسين لهيئة الأمم المتحدة في عام 1945، وانطلاقا من إيمان المملكة العميق بأن السلام العالمي هدف من أهداف سياستها الخارجية. فهي تدعو باستمرار إلى أسس أكثر شفافية للعدالة في التعامل بين الدول في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها باعتبارها السبيل الوحيد إلى الاستقرار في العالم، وتؤكد المملكة أنها تحارب التطرف والإرهاب بكافة صوره وأشكاله، وترفض بشدة خطاب الكراهية، وتعمل ضمن شراكات دولية من أجل الأمن والسلم الدوليين من خلال موقعها القيادي في العالمين الإسلامي والعربي.

[caption id="attachment_55263019" align="aligncenter" width="3830"]الملك سلمان بن عبدالعزيز  ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يستعرضان حرس الشرف قبل اجتماعهما في طوكيو 13 مارس 2017. (غيتي) الملك سلمان بن عبدالعزيز ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يستعرضان حرس الشرف قبل اجتماعهما في طوكيو 13 مارس 2017. (غيتي)[/caption]

المملكة... ومنطق التحالفات غير التقليدية




مقولة «التحدي يخلق الاستجابة» تعد الأكثر انطباقا على مسار السياسات السعودية في مرحلة الملك سلمان، حيث تعاظمت التحديات الأمنية، وارتفعت وتيرة الصراعات الإقليمية، وتبدلت الأدوار والسياسات الدولية في الشرق الأوسط، على النحو الذي استدعى من المملكة التحرك مباشرة لقيادة الإقليم. ذلك تأسس على إدراك القيادات السياسية لطبيعة قدرات المملكة، جاء ذلك في إطار التنسيق المشترك مع الدول العربية، في وقت شكلت فيه قيادة دول مجلس التعاون الخليجي المهمة التقليدية، في ظل التحديات التي استدعت قيادة دول المجلس ليشكل، رغم التحديات والأزمة مع قطر، أحد أنجح المؤسسات الإقليمية الفرعية.
إن التحديات التي جابهتها الكثير من الدول العربية في مرحلة ما بعد الثورات العربية، وما ترتب على ذلك من تصاعد الإشكاليات التي ارتبطت بنمط الأدوار الإقليمية لدول الجوار الجغرافي للمنطقة العربية، سيما كلا من طهران وأنقرة، استدعت أدواراً مستجدة، بحيث تتناسب الاستجابة السعودية مع حجم التحديات التي تجابه المنطقة العربية.

هذه الأدوار، وإن اتسع نطاقها، وبرزت معالمها، وتضاعفت وتيرتها، فإنها طيلة العقود السابقة اعتمدت – وفق بعض الأدبيات الأكاديمية - في العالم العربي على أسلوب ونمط قيادة الموقف، وكانت بارعة فيه بشكل أساسي، فقد كانت تتدخل في الشأن الإقليمي، بحسب ما تستدعيه ضرورات الموقف والظرف، تجلى ذلك في طرحها المبادرة العربية للسلام في مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2002. وكذلك في موقفها خلال الثورات العربية 2011. ثم في عام 2013 إثر ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 في مصر.
وفي هذا السياق، تشير اتجاهات أكاديمية إلى أن المملكة في ظل حكم الملك سلمان تستند أدوارها الإقليمية متصاعدة الحضور على مسرح عمليات الإقليم، إلى الكثير من المحركات، منها الاعتماد على منهج القيادة المباشرة للإقليم، وتبني سياسات استقلالية معبرة عن الإمساك بزمام الموقف والأحداث الإقليمية، والمبادرة حيال تطوراتها، وليس انتظار رد الفعل، وفق ما يطلق عليه دبلوماسية المبادرة، وهو ما انتهجته سياسات وتوجهات إدارة الملك سلمان، والتي أبرزت التوجهات القيادية الاستقلالية للمملكة، بعد أن اتخذت قرارات إقليمية غير مسبوقة، منها عاصفة الحزم ما جعل المملكة تمسك بزمام المشهد الإقليمي.

بمقتضى ذلك، أصبح هناك ما يشبه تصنيفا عربيا قائما على من ينتمون لمعسكر المملكة ورياداتها، ومن يقومون أو يتخذون مقاربات مغايرة. ولقد فرض هذا القرار على كافة القوى تكييف ذاتها مع القرار السعودي. علاوة على ذلك، تمكنت المملكة من قيادة المشهد الإقليمي، عبر التطورات الإيجابية التي باتت تشهدها هي ذاتها، في ظل السياسات التي غدا يتبناها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عبر الكثير من المبادرات من بينها رؤية المملكة 2030، والتي طرحها في أبريل (نيسان) 2016.
هذه المبادرة اجتذبت الانتباه الدولي بحديثها عن اعتزام إنشاء صندوق سيادي يعد الأكبر في التاريخ بقيمة تريليوني دولار، وبتوجهاتها نحو تقليص الاعتماد على النفط، لتغدو السعودية قائدا إقليميا بالنظر إلى توجهات المملكة العسكرية في الخارج، وقدرتها على جذب الانتباه إلى أفكارها التطويرية الجديدة والجريئة في الداخل.
اعتمدت المملكة على القوة الذكية، والتي ترتبط بالقدرة على الجمع بين القوة الناعمة والأدوات الصلبة. فالأدوات الناعمة ارتبطت بالقوة الدينية الهائلة التي تتمتع بها السعودية كدولة قائدة في منظومة العالم الإسلامي، وباستضافتها مقر منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، وما تمتلكه من قدرة في التأثير على الكثير من دول الإقليم، وفي ظل ما تحظى به من أدوات إعلامية هائلة، ذلك بالتزامن مع نزوع المملكة لاستخدام الأدوات الصلبة لإجبار القوى الإقليمية المناوئة على مراجعة السياسات التي من شأنها المساس بالأمن القومي العربي.

أوجد ذلك حالة قوة ذكية تجمع بين الفاعلية الخارجية والتطور الداخلي، الذي ينعكس في سياسات ومبادرات متنوعة تركز على هذا الجانب في المستقبل، وتركيز «رؤية 2030» باعتبار أن مكانة المملكة لا تقتصر على قوة الاقتصاد والنفط، وإنما على مكانتها الدينية، والحضارية، وحضورها العسكري، ودبلوماسيتها النشطة، فضلا عن قيامها على رعاية وخدمة الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي هذا إعادة تعريف واكتشاف لدور المملكة الإسلامي والعالمي.


الموقف الإقليمي... الأدوار القيادية للمملكة




حينما تحركت المملكة حيال مختلف الملفات الإقليمية، واضطلعت بأدوار الدولة القائدة، دعمتها في ذلك مواقف الكثير من القوى الإقليمية التي أسهمت بأدوار رئيسية ضمن المنظومة السعودية. فقد أكد، في هذا الإطار، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن السعودية، بقيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، تقود المنطقة في سعيها للاستقرار والتنمية، وهي حتما قادرة على تحفيز المشهد الاقتصادي والاستثماري في العالم.
وقال الشيخ محمد بن زايد في حسابه على «تويتر» إن «المملكة بقيادة الملك سلمان، وبما تمتلكه من رصيد حضاري، وما تتمتع به من مقومات طبيعية وبشرية قادرة على تحفيز وتفعيل المشهد الاقتصادي والاستثماري العالمي». وأضاف أن «السعودية تقود المنطقة في سعيها للاستقرار والتنمية، والمشاريع الجبارة التي يعلن عنها محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) مثال للإمكانيات العظيمة للمملكة».

هذا فيما دفعت مصر إلى تعظيم التنسيق مع المملكة حيال مختلف القضايا الإقليمية، وتنظر مصر بإيجابية إلى الدور الريادي الجديد الذي تلعبه السعودية في المنطقة. وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في هذا السياق: «لا يمكنني القول: إن السعودية حلت محل مصر في هذا الدور، لكن مصر مرت خلال الأعوام الماضية بفترة اضطراب، وركزت لذلك بصورة أقوى على الوضع السياسي الداخلي».
وأضاف: «قيام السعودية الآن بدور أكثر أهمية في التطورات الإقليمية والدولية يعتبر أمرا مهما». ومن ناحية أخرى، حمَّل شكري إيران وحدها مسؤولية التصعيد الأخير بين الرياض وطهران، وقال: «يتعين حماية أمن منطقة الخليج العربي، وأمن المصالح القومية للدول العربية من التدخلات ومحاولات زعزعة الاستقرار من قبل قوى لا تنتمي لهذه المنطقة».

في ذكرى تسلم خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، مقاليد الحكم في البلاد، من المفيد أن نستحضر دقة المرحلة، وخطورة التحديات الاستراتيجية والتهديدات الأمنية والتقلبات السياسية التي واجهت الدول العربية، وكذلك الأدوار الرئيسية التي نهضت المملكة بها، استجابة للتحدي، وانطلاقا من تأثيرات المتغير القيادي لمواجهة تهديدات وجودية لهوية المنطقة بفعل السياسات الإيرانية، وفي ظل ما تعرضت له شعوب عربية بفعل الهجمات الإرهابية والميليشيات الطائفية، وكذلك في ظل انكفاء أميركي وتخاذل دولي.

إن هذا التهديد الوجودي حتَّم على المملكة أن تعمل على الدفاع عن الهوية العربية والقيم الإسلامية الوسطية، سيما في ظل عجز وتناقض مواقف القوى الدولية، وعدم تجانس سياسات دول إقليمية لا يزال بعض قاداتها يجابه الواقع المتغير بمحض تصريحات خطابية وإعلامية، ومنهم من يسعى متخبطًا لتغيير سياساته وتحالفاته، دون أن يمتلك القدرة على التفكير غير النمطي، عبر تحقيق توازن حقيقي في علاقاته مع القوى الدولية المختلفة.
ويبدو من ذلك أن السمة الرئيسية للأدوار القيادية للمملكة العربية السعودية، في ظل حكم الملك سلمان تتعلق بالقدرة على التشخيص المبكر للإشكاليات والتحديات التي يجابهها الإقليم، ووضع السياسات اللازمة والكفيلة للتعاطي الجاد معها. فخلال مشاركته في مؤتمر القمة العربية في شرم الشيخ في مارس 2015، أكد الملك سلمان أن الواقع المؤلم الذي يعيشه عدد من البلدان العربية، من إرهاب وصراعات داخلية، إنما يمثل نتيجة حتمية للتحالف بين الإرهاب والطائفية الذي تقوده قوى إقليمية أدت تدخلاتها السافرة في المنطقة العربية إلى زعزعة الأمن والاستقرار.

سعت المملكة، في ظل حكم الملك سلمان، إلى تأكيد وترسيخ وتعميق الثوابت الاستراتيجية. ظهر ذلك جليًا في دور المملكة القيادي والحاسم في مجلس التعاون الخليجي، وفي جامعة الدول العربية، وفي منظمة التعاون الإسلامي، وفي الأمم المتحدة. وهذا الدور السعودي القيادي أكد عزلة إيران والجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية، ورسخ هوية دول الخليج والجزيرة العربية، واستنهض الهمم بتشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي شمل نحو 41 دولة.

لم ينفصل ذلك عن تنامي الفاعلية والديناميكية التي وسمت تحركات المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فالملك سلمان قام بزيارة عشرات الدول منذ تسلمه الحكم، واستقبل الكثير من رؤساء الدول والحكومات، بالإضافة إلى لقاءات وزيارات ولي العهد ووزير الخارجية. جاء كل ذلك على الدوام مقترنا بإظهار القدرة على الجمع بين الأدوات الدبلوماسية والإجراءات العسكرية، هذا بالتوازي مع تضاعف وتيرة توجه المملكة إلى تقديم المساعدات الإنسانية، والوقوف إلى جانب الدول العربية والإسلامية.

font change