صراع عرقي متجدد في إقليم أمهرة الإثيوبي.. ما علاقة مصر والسودان؟

عبدالقادر محمد علي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

موجة دموية جديدة من العنف شهدها إقليم أمهرة الإثيوبي منتصف أبريل/نيسان 2021، اتسمت بصبغة عرقية بين مجموعات من أكبر إثنيتين في البلاد وهما الأورومو والأمهرة، وخلفت وفق بعض التقديرات ما يزيد على مائتي قتيل وشردت مئات الآلاف من السكان.

لم تكن هذه الأحداث الأولى من نوعها، فقد عاشت المناطق عينها أحداثا دامية في مارس/آذار 2021، أسفرت عن مئات القتلى وتشريد ما يزيد على 50 ألفا من السكان، في الدولة الشرق الإفريقية.

ويعاني هذا البلد من انفجار  جبهات العنف الأهلي في مناطق مختلفة، فيما اتهمت جهات رسمية أطرافا داخلية وخارجية بالضلوع في تأجيج هذا العنف. 

في قفص الاتهام

وعلى خلفية هذه الاشتباكات في إقليم أمهرة ومناطق أخرى من البلاد صدر في 23 أبريل/نيسان بيان عن اجتماع فريق العمل المشترك للاستخبارات والأمن، أكد وجود "أدلة مؤكدة ووافرة" على تعاون قوى داخل البلاد وخارجها لإحداث حالة من الفوضى وزعزعة الاستقرار، دون إيراد تفاصيل.

كما اتهم رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد بعد اجتماع لمجلس الأمن الوطني ناقش أحداث العنف المذكورة، جهات خارجية وداخلية بالعمل "على إغراق البلاد في الفوضى".

وفي إشارة إلى ارتباط نشاط هذه الجهات بتعطيل الخطوات الإثيوبية المتعلقة بسد النهضة ذكر أنه "رغم المؤامرات والضغوط التي تمارس على البلاد، فإن إثيوبيا ستقوم بالملء الثاني للسد في الموعد المقرر، وإجراء الانتخابات".

وفي حديث لـ"الاستقلال" ذكر باحث سياسي إثيوبي، رفض التصريح باسمه، أن الدبلوماسية الإثيوبية تنتهج التلميح دون التصريح حفاظا على شعرة العلاقات الدبلوماسية.

وأضاف أن "المقصود بالأطراف الخارجية مصر، وموقفها من إثيوبيا واستقرارها تاريخيا معروف، فقد عمدت إلى دعم الحركات المسلحة داخل البلاد منذ عقود طويلة، كما أنها ساندت حركة التحرر الوطني الإريترية، وزادت الأمور تعقيدا الآن مع ملف سد النهضة".

واستطرد أن السودان كذلك قد يكون مقصودا بهذه التصريحات، حيث شهدت العلاقات السودانية المصرية تطورا كبيرا مع تدهور العلاقات الإثيوبية مع الخرطوم، الذي بدأت تتضح ملامحه منذ سقوط الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن السلطة، وبلغ ذروته بالتوترات الحدودية الأخيرة.

 وهو ما وافقه فيه الصحفي الإثيوبي بيلاه جيهان بالقول لـ"الاستقلال" إن الأطراف الخارجية هي القوى الدولية الداعمة للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وفق أدبيات الحكومة الإثيوبية.

أما الأطراف الداخلية فهي وفقا لنفس الأدبيات "جيش جبهة تحرير الأورومو، بجانب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والمقاتلين المسلحين في بني شنقول وأصحاب المصالح المتضررين من التحولات الأخيرة في البلاد".

وجبهة تحرير أورومو هي حزب معارض قضى سنوات في المنفى ولكن تم رفع الحظر عنه بعد أن تولى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد منصبه في عام 2018.

وكان من اللافت خلو البيانين الحكوميين من تفاصيل الأدلة على تورط الأطراف المشار إليها سابقا، وهو ما فسره الباحث السياسي الإثيوبي بأن كشفها رسميا قد يؤدي إلى أزمات دبلوماسية وهذا ما يدفع الحكومة إلى عدم التصريح بها.

لكن من المعروف أن هناك مقاتلين متمردين تم اعتقالهم سابقا، وأن أسلحة مصرية تم الحصول عليها في بني شنقول، بالإضافة إلى  اعترافات ووثائق وغيرها من الأدلة، وفق قوله.

وهو ما يخالفه فيه جيلان الذي يرى أنه لا توجد أدلة حقيقية تسند الاتهامات الحكومية، موضحا أن ما يحدث "محاولات لخلق وهم شعبي في عقول القاعدة الشعبية الوحدوية (المطالبين بإلغاء النظام الفدرالي وبناء مشروع وطني يروج لدين واحد، لغة واحدة وهوية واحدة) بوجود خطر يهدد أمن واستقرار البلاد.

في حين أن الأدلة كلها تشير إلى أن الحكومة الفيدرالية تقف بشكل مباشر أو غير مباشر خلف النزاعات وأحداث العنف في أرجاء البلاد، بحسب قوله.

وبسؤاله عن هذه الأدلة ذكر جيلان أنها تتمثل في "غياب أجهزة الأمن في ساعات وقوع العنف، وتجاهلها نداء الأهالي وطلبهم للمساعدة حال وجودها، وعلم المعتدين بغياب أجهزة الأمن وبتحركاتها، بجانب التقارير المستمرة الآتية من تيغراي عن ضلوع الجيش الفيدرالي في أحداث القتل الجماعي والاغتصاب.

وفيما يخص أحداث إقليم أمهرة الأخيرة يضيف جيلان أن هناك "شهادات للأهالي عن تورط حكومة الإقليم في أحداث العنف إلى جانب كل من الجيش الإثيوبي وشباب الأمهرة".

الصراع على المناطق

ارتبطت موجة العنف الأخيرة في إقليم أمهرة بالصراع على المناطق الخاصة بالأورومو ضمن الإقليم، وهي من المواضيع الشائكة في إثيوبيا وقد نشأت نتيجة عوامل تاريخية وسياسية مختلفة.

 وتتميز هذه المناطق بأنها ذات تركيبة سكانية مغايرة لسكان الإقليم الذي تقع فيه، ونتيجة الاحتكاكات بين الطرفين تتحول في بعض الأحيان إلى قنابل موقوتة تنفجر كما حدث في إقليم أمهرة مؤخرا.

ووفقا للصحفي بيلاه جيلان فإن أراضي منطقتي "أوروميا" و"شمال شوا" ضمن إقليم الأمهرة، "تعود ملكيتها قانونيا وتاريخيا وواقعيا من حيث التركيبة السكانية إلى عشيرة الوللو من كبرى عشائر الأورومو".

وأضاف أن المنطقة رغم تبعيتها الإدارية لإقليم أمهرة لكن نزولا عند رغبة سكانها في المحافظة على لغتهم وعاداتهم وثقافتهم أنشئت لهم هذه المنطقة الخاصة.

ووفقا لجيلان فإن هناك تيارات قومية من الأمهرة تزعم أن الوللو لم يكونوا تاريخيا من الأورومو، وأنهم اكتسبوا الأورومية بالقوة عبر مراحل تاريخية مختلفة، وهذا مما يزكي الخلاف بين الطرفين. ما المقصود؟

وفيما يتعلق بالنزاع الأخير فإن جيلان يرجعه إلى "رغبة مجموعات أمهرية بإلغاء المنطقة الخاصة وإعادة توطينها بالأمهرة العائدين والهاربين جراء أحداث العنف في إقليمي أوروميا وبني شنقول قمز الإثيوبيين"، موضحا أن مقصوده بذلك "هو الأمهرة عرقيا المسيحيون دينا، لأن الأمهرة المسلمين وقعوا ضحايا لأحداث العنف الأخيرة حسب تحقيقاتي".

وكان الصحفي بيلاه جيلان قد نشر مجموعة من التحقيقات الاستقصائية عن الأحداث الأخيرة على موقع أديس ستاندرد المرموق إثيوبيا.

ووافق الباحث السياسي الإثيوبي ما ذكره جيلان، مؤكدا أن السنتين الماضيتين شهدتا نشاطا متعاظما لتيار قومي تمثله "الحركة الوطنية للأمهرة (NAMA)"، وهو طرف في الاشتباكات التي يخوضها الأمهرة مع قوميات مختلفة في البلاد، وأن أبناءه كانوا رأس الحربة في العملية العسكرية في تيغراي المستمرة منذ العام 2020.

وبين الباحث الذي لم يذكر اسمه أن ما يشاع عن أن تنظيم جبهة تحرير أورومو- شاني يقف خلف الاشتباكات الأخيرة مع الأمهرة يفتقر إلى الصحة وفقا لتجربته الشخصية.

وقال: "لقد أقمت في منطقة أوروميا الخاصة لسنوات، وأعرف أهلها جيدا وهم مسلحون، بالإضافة إلى أن التنظيم المذكور غير مرحب به من أبناء المنطقة لأسباب مختلفة". 

ولم تكن أحداث العنف الأخيرة وحدها محط الأنظار في "أمهرة" مؤخرا، حيث شهد الإقليم مظاهرات حاشدة منذ 19 أبريل/نيسان 2021، وعبر الآلاف من المحتجين في مدن غوندر وبحر دار وديبري برهان وغيرها عن رفضهم لما وصفوه بـ"التطهير العرقي" للأمهرة وتهجيرهم.

كما طالت هتافاتهم الغاضبة الحزب الحاكم والمسؤولين الفيدراليين والإقليميين ورئيس الوزراء آبي أحمد (الأورومي الأصل)، متهمين إياه بالانحياز إلى الأورومو.

ووفقا للباحث السياسي الإثيوبي فإن هذه المظاهرات "كان وراءها بشكل أساسي الحركة الوطنية للأمهرة (NAMA) ذات التوجهات القومية المتطرفة، وقد رفعت مطالب تتعلق بحماية الأمهرة الذين يقتلون، كما تقول، في العديد من أرجاء إثيوبيا، وتتهم الحكومة بعدم حمايتهم".

واستطرد قائلا: "كما أن لهذه الحركة مطالب سياسية تتعلق بتصوراتها لنظام إدارة الدولة، من حيث النظام الفيدرالي المطبق في إثيوبيا، والعودة إلى نظام المركزية "لغة واحدة دين واحد"، وإلى الهوية الإثيوبية التي تقوم في جوهرها على روح أمهرية مسيحية". 

وعن تأثير هذه المظاهرات على رئيس الوزراء آبي أحمد وحزبه صرح الباحث بأن "لهذه الحركة شعبية كاسحة في إقليم أمهرة، وهو ما اضطر فرع حزب رئيس الوزراء في الإقليم إلى مجاراتها في بعض مطالبها، سعيا لاستقطاب أتباعها أو كسب أصواتهم، فالأخير يدرك أن القوميين الأمهرة يكادون يسحبون البساط بشكل كامل من تحت قدميه".

 ولفت إلى أن "هذا ما لن تسمح به السلطة التي ستصبر إلى درجة معينة، ثم ستحد منه نفوذ هذه الحركة بالوسائل المعروفة في العالم الثالث" على حد تعبيره. 

وعلى إثر هذه المظاهرات أصدر حزب الازدهار أمهرة (APP) الفرع الإقليمي لحزب الازدهار التابع لرئيس الوزراء ردا لاذعا، وتعهد بالعمل على سلامة شعب الأمهرة في كل البلاد، واتهم قوى أخرى باختطاف المسيرات الاحتجاجية.